ممَّا لا يُخفى على أحد في زمننا هذا أنَّ الأحداث التاريخيَّة تُصوَّر وتُطوَّع في الكثير من الدُول في سبيل تحقيق غاياتٍ مُعيَّةٍ، فتُرفع بعض الشخصيَّات إلى مصاف الأبطال ويُهبط بآخرين إلى مصاف الخونة، وهذا ما يصدق على لُبنان وعلى أغلب الدُول العربيَّة، التي تحفل الكثير من كُتُبها المدرسيَّة ومُؤلَّفاتها الأكاديميَّة بِالتحامل على ...
قراءة الكل
ممَّا لا يُخفى على أحد في زمننا هذا أنَّ الأحداث التاريخيَّة تُصوَّر وتُطوَّع في الكثير من الدُول في سبيل تحقيق غاياتٍ مُعيَّةٍ، فتُرفع بعض الشخصيَّات إلى مصاف الأبطال ويُهبط بآخرين إلى مصاف الخونة، وهذا ما يصدق على لُبنان وعلى أغلب الدُول العربيَّة، التي تحفل الكثير من كُتُبها المدرسيَّة ومُؤلَّفاتها الأكاديميَّة بِالتحامل على الدولة العُثمانيَّة وتصويرها على أنها دولة مُحتلَّة غاصبة، وتُصوِّر الشخصيَّات التي قامت في وجهها على أنهم أبطال وطنيُّون أحبُّوا بلادهم وبذلوا أنفسهم في سبيلها. بِالمُقابل، تحفل العديد من المُؤلَّفات الأُخرى بِمعلوماتٍ تُنصف الدولة العُثمانيَّة وتُبيِّن ما لها وما عليها، على أنَّ أغلبها يتَّفق على اعتبار من قام بِوجه الدولة العُثمانيَّة على أنَّهُ عاصٍ وخائن. وهكذا، فإنَّ الأمير فخر الدين الثاني، وسائر الأُمراء المعنيين، يُصوَّرون على أنَّهم أبطالٌ مُدافعون عن لُبنان ضدَّ التعسُّف العُثماني، بينما يوصفون بِأنَّهم عُصاة في مصادر أُخرى، لا سيَّما وأنَّهم تعاونوا مع أعداء الدولة العُثمانيَّة من الغربيين.انطلاقًا من هذه الفكرة وشقيقاتها من الأفكار، تُحاول هذه الدراسة كشف اللثام عن بعض الحقائق التي تتعلَّق بِالعهد المعنيّ خلال عصر الأمير فخر الدين الثاني خُصوصًا، ومدى الدور الذي لعبه الأُمراء المعنيُّون عُمومًا، وفخر الدين الثاني خُصوصًا، في رعاية الإمارات والمُقاطعات اللُبنانيَّة أو تهديدها عبر التحالف مع الغرب، والدور الذي لعبته الدولة العُثمانيَّة في حماية تلك الإمارات والمُقاطعات من المخاطر الأجنبيَّة والداخليَّة.