العدل الإلهي هو الوجه الآخر لفلسفة المعتزلة الدينية في تنقية فكرة التوحيد القرآنية من كل لبس أو غموض. من وجهة النظر الأخلاقية. فمن خلال ما تنزلت به الآيات من مظاهر عدالته تعالى الدالة على وحدانية في أفعاله، رأى المعتزلة واجباً عليهم أن يُبْعدوا عن (الله) كل التصورات التي تنافي الاعتقاد بعدله، وأن يطهروا فكرة الألوهية من كل المفا...
قراءة الكل
العدل الإلهي هو الوجه الآخر لفلسفة المعتزلة الدينية في تنقية فكرة التوحيد القرآنية من كل لبس أو غموض. من وجهة النظر الأخلاقية. فمن خلال ما تنزلت به الآيات من مظاهر عدالته تعالى الدالة على وحدانية في أفعاله، رأى المعتزلة واجباً عليهم أن يُبْعدوا عن (الله) كل التصورات التي تنافي الاعتقاد بعدله، وأن يطهروا فكرة الألوهية من كل المفاهيم التي لا تفيد بطبيعتها وحدة الله وتفرده، وعدم تغيُّره المطلق.ومن ثم أجمع المعتزلة على اعتبار العدل الأصل الثاني من أصول مذهبهم، ورتبوه على ما خلصوا إليه في باب التوحيد ومرتب عليه، وليس كما يعتقد البعض أن العدل مقدم في الترتيب التاريخي على التوحيد وأصله له، فالصورة النهائية التي استقرت عند المعتزلة نقلاً عن أشياخهم من لدن أبي الهذيل العلاف ومدرسته هي قولهم: "الذي يلزم العلم به أولاً هو التوحيد، ويرتب عليه العدل لوجهين: أحدهما: أن العلم بالعدل علم بأفعاله تعالى فلا بد من تقدم العلم بذاته ليصبح أن نتكلم في أفعاله التي هي كلام في غيره.والثاني أنّا إنما نستدل على العدل بكونه عالماً وغنياً وذلك من باب التوحيد لينبني العدل عليه. وعلى هذا الترتيب كانوا يوجهون تأويلهم لآيات القرآن. فبعد إقرار المكلف بالتوحيد على تمّ بيانه أوجبوا النظر فيما وصف الله به نفسه من صور العلم وقضاء الأفعال فيعلم أنه عالم يقبح القبيح ومستغن عنه، وعالم باستغنائه... ويترتب على هذا كونه عدلاً حكيماً لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب، ولا يأمر بالقبح ولا ينهى عن الحسن وأن أفعاله كلها حسنة.وفي ضوء هذا المفهوم الكلي للعدالة الإلهية اعتبر المعتزلة كل آية في القرآن تساير هذا المفهوم من المحكمات وما خالفه من المتشابهات وينبغي ردّه إليها. وهكذا يمضي الدكتور محمود كامل أحمد في كتابه هذا في البحث عن مفهوم العدل في تفسير المعتزلة للقرآن الكريم وكان قد بين قبلاً أصول الاعتزال في عقيدة المعتزلة منتقلاً من ثم إلى بيان منهج المعتزلة في تفسير القرآن الكريم وبيان الدعائم القرآنية لحرية الإرادة في التكليف ليبحث من ثم علوم العدل والاستحقاق بالتكليف في مذهب المعتزلة.