نبذة النيل والفرات:أقرّ الجميع لإبراهيم اليازجي بالسبق في مضمار العربية، ودعاه البعض إمامها، والبعض الآخر أباها، وأكثر من لهج بفضله على لغة الضاد ورفعة إلى السماك تلميذه الحمصي. كانت تلك نقطة الالتقاء بين الشخصين التي كانت لهما رسائل هي في الأهمية بمكان لأنها عكست أحداث وشخصيات زمانيها إلى جانب ذلك فمن تصفح رسائل اليازجي وصديقه ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:أقرّ الجميع لإبراهيم اليازجي بالسبق في مضمار العربية، ودعاه البعض إمامها، والبعض الآخر أباها، وأكثر من لهج بفضله على لغة الضاد ورفعة إلى السماك تلميذه الحمصي. كانت تلك نقطة الالتقاء بين الشخصين التي كانت لهما رسائل هي في الأهمية بمكان لأنها عكست أحداث وشخصيات زمانيها إلى جانب ذلك فمن تصفح رسائل اليازجي وصديقه الحمصي بدت له من خلالها ملامح شخصية كل منهما، فضلاً عن معالم من حياته، لا بل دهش لأوجه الشبه العجيبة بين الرجلين، على ما لا مندوحة عنه من بعض الاختلاف. فها هو إبراهيم يطل علينا أولاً، سليل الأورمة اليازجية، النازحة عن حمص في غابر الأيام شيخاً عريقاً بنسبه، شريفاً بحسبه وقدره، علا كعبه في الأدب نثراً وشعراً فذلت له القواف وخضعت له الكلم والتعابير. وتلحق به صديقه الأصغر والمعجب به الأكبر، الحمصي نسيب عليه القوم في الشهباء، صاحب الجاه والمال الوفيد، فيبدوا إلى ذلك، بما لا مراد فيه، طويل الباع في نظم القريض، راسخ القدم في سبل البلاغة والبديع، كلا الرجلين يتحلى بالخلق الجميل، والخلق النبيل، فيمحض صديقه الود الخالص مقروناً بالتقدير والوفاء، ويعبر عن مشاعره تلك بصريح القول في مطلع كل رسالة وختامها. فإبراهيم يدعو قسطاكي عزيزه وحبيبه وفرة عينه، ويعترف لصديقه الأخ المخلص المحب. ومما اختلف به الرجلان، وكان له الأثر في نفسية كل واحد منهما، نمط حياتهما العائلية.ففيما عاش قسطاكي بين أفراد أسرته معززاً مكرماً تحيط به كريماته، إذا بالشيخ يظل عازباً وحيداً، مما هيج فيه السويداء والتشاؤم، ناهيك عما كان لتلك الظروف والصروف من آثار وخيمة على صحته، فأكمته الرثية وانهكته الأمراض قبل الأوان ومات ولم يبلغ الستين، بينما عاش قسطاكي موفور العافية حتى بلغ من سني العمر ثمانين وثلاثاً بعدها. وإلى ذلك كان اليازجي والحمصي محب للجمال والأناقة، يستشف ميله هذا من هندامه وخطه، مولع بالرسم والموسيقى. كل من الشيخ وصديقه كان مغرماً بالعربية، مأخوذ بجمالها، ينتشر السحر بيانها، فينقاد لها وتنصاع له أداة مطواعة. وهذا الكتاب الذي بين أيدينا جاء ليؤكد التقارب الفكري بين الشيخين، وذلك من خلال عرة لرزمة من الرسائل المبعثرة في بطون الكتب القديمة منها دبّجه اليازجي ومنها ما حبره الحمصي، مما يشكل مجموعة تكاد تكون متكاملة، فتوفر للباحثين الكثير من المعلومات، وتساعد على تفهم شخصية كل من الأديبين الكبيرين.