قادني الخيال إلى الشيخ قبل أن ألقاه، علاّمة هو، على غرابة الكلمة عندي. إلا أن هذه الصفة العلمية بقيت برغم غرابتها لصيقة بحضور المتخيل. إذ أنه بقي الشيخ العلامة عبد الله العلايلي، الذي أحببت أن ألقاه دائماً، وتصورته في وضعيات عديدة لذلك. إلا أنني في سعيي الحثيث، أو البطيء لكي لا أكون كاذباً، إلا أنني في سعيي البطيء إليه، كنت أميل...
قراءة الكل
قادني الخيال إلى الشيخ قبل أن ألقاه، علاّمة هو، على غرابة الكلمة عندي. إلا أن هذه الصفة العلمية بقيت برغم غرابتها لصيقة بحضور المتخيل. إذ أنه بقي الشيخ العلامة عبد الله العلايلي، الذي أحببت أن ألقاه دائماً، وتصورته في وضعيات عديدة لذلك. إلا أنني في سعيي الحثيث، أو البطيء لكي لا أكون كاذباً، إلا أنني في سعيي البطيء إليه، كنت أميل إلى مغادرة المواضيع المفترضة أو تأجيلها. هكذا كنت، كلما اقتربت منه، أو كلما حاولت أن أتكلم معه على الهاتف بهدف اللقاء، انحزت إلى تأجيل اللقاء، بداعي الرهبة، أقول الآن. لأنه على ما أعتقد، شيخ جليل، كما أنه علاّمة.ولأنني أحسست دائماً بنوع من القرابة إليه، العائلية بالتحديد، عوضتني عن لقاءاته، أو ساهمت في تأجيل هذه اللقاءات من دون تأثيرات جانبية أو إعلان ندم كبير. وحين التقيته أدركت سر انحيازي إلى صورته المتخلية. فقد أدركت ومباشرة، تلك الحرارة غير البادية على محياه، لأنه لم يكن يهتم بها. وحين لم يكن يفعل، فإن تقاسيم وجهه تنعجن في حال انسيابية فاقعة. حتى أن حال الوجه الطبيعية لم تبد مرة واحدة نافرة على المرارة الكامنة، أو تلك المخبأة لأيام أصعب. الآن أدرك، الآن أعرف، الآن أعلن، أنه صاحب نسق عام وصاحب ميزة شمولية، تختفي فيها أو تلطأ خلفها، كافة الإحباطات والخيبات والهزائم الكبرى، كما تفعل المغريات وأخواتها.والحق، أن اللقاءات العديدة التي منحني إياها بكرم العلاّمة، لم تقدر أن تمحور صورته المتخيلة، التي سبقت الصورة الحقيقية ونافستها. يضاف إلى الأولى مجموعة من التهويمات التي كانت لا تنفك تصور اللقاء صعباً ومتعثراً على ما أرغب. ثم أنني أدرك الآن، وأعرف الآن، والآن أعلن، أن سؤالاً محضاً التفّ على هذه الأوهام العامة والتفصيلية، أطاحها كلها. سألت نفسي عن سبب يقبل من أجله الشيخ أن يلقاني بهدف إجراء لقاء غير محدد المعالم تماماً، بعد أن أعرض أقرباؤه عن محضي وعداً، وبعد أن أوهمت نفسي بذلك، أكثر.تلك كانت المقدمة لأول سيرة من السير التي دوّن تفاصيلها عبيدو باشا في كتابه هذا، وهي مسيرة العلامة عبد الله العلايلي ولقبه هذا ينبئ عن ذاك الخزين من العلوم الذي كان يختزنه ثم يفيض به مثرياً الفكر الإسلامي والعربي بشتى الأفكار وبشتى الاجتهادات التي لم تعرف التواني إن في اللغة أم في الفقه أم في المواضيع السياسية أو الاجتماعية أو.. أو..يكشف عبيدو باشا عن مكنونات أفكار عبد الله العلايلي وعن رأيه في كثير من المواضيع الآنية والماضية، يكشف عن عبد الله العلايلي الإنسان والعلامة، وعبيدو باشا يفعل ذلك في سيرة العلامة العلايلي كما في سائر الشخصيات التي انتقاها لتشكل أضمومة رائعة لسير أشخاص حازوا على قصب السبق كلٌّ في المجال الذي أبدع فيه.يستحضر عبيدو باشا ذلك بأسلوب مغرق في الشفافية والعمق، من خلال لقاءات بالمحتفى بهم، أو بمن يقربهم، وبالاعتماد على ذاكرة ومعيش وأرشيف، يتنازعه عمله على المفهوم، مفهوم الاستعادة والاختيار.