حين بشّرَنا (نيتشه) : (لقد مات جميع الآلهة .. فلم يعد لنا من أملٍ إلاّ ظهور الإنسان المتفوّق) (1) كان يريد - على الأغلب - موت الفكرة الدينية بما تفرضه على البشريّة من وهم إنساني مصطنع . و أيضًا ؛ التبشير بمبادئ أخلاقيّة جديدةٍ قائمة أساسًا على نبذ القيم التقليديّة أو ما يسميه هو بـ (أخلاق الدخلاء | الضعفاء) المُفرّخة للأصنام وال...
قراءة الكل
حين بشّرَنا (نيتشه) : (لقد مات جميع الآلهة .. فلم يعد لنا من أملٍ إلاّ ظهور الإنسان المتفوّق) (1) كان يريد - على الأغلب - موت الفكرة الدينية بما تفرضه على البشريّة من وهم إنساني مصطنع . و أيضًا ؛ التبشير بمبادئ أخلاقيّة جديدةٍ قائمة أساسًا على نبذ القيم التقليديّة أو ما يسميه هو بـ (أخلاق الدخلاء | الضعفاء) المُفرّخة للأصنام والمُهيّجة للمسكنة ، والواجب تحطيمها عبر الإنسان بمعناه القادر على السمو والرّاغب فيه . و عن صفات هذا الإنسان و مزاياه حديث طويل يقودنا إلى الجدل حول التشويه و التحريف الذي مارسته (إليزابيث) أخت (نيتشه) في بعض كتبه و آرائه بعد وفاته ، وكيف اقتنص النّازيّونَ تلك الفرصة و وظّفوها ببراعة .. إلخ و ليس هذا محلّه بالطبع.سأناقش في هذا المقال عبر حلقات خمس بعض الأفكار الغريبة الواردة في النّصوص الدينية المُعتبَرة للأديان ذات الصّلة المباشرة بالأصنام - آنفة الذكر - وبكل مآسي البشرية من تمهيد طريق الخرافة إلى تعبيد طريق الدجل الفكريّ . الأديان التي جعلت من قتلِ الإنسان لأخيه الإنسان قربةً إلى خالق الإنسان بشكل يوحي - للأريب طبعًا - بأنّ العملية كلّها محض عبث . الأديان المتسبّبة تعاليمُها بتمزيق ثياب التاريخ ، و التناوب على هتك عذريته على مدى أكثر من 4000 سنة حتّى توسّعت فوّهته وصار ولوج الفيلة من خلالها أمرًا معقولاً . الأديان التي سرقتْ كلّ ما يمكن أن يولّد بهجةً حقيقيّةً غيرَ ملوّثة بدسم التسامح المنافق القائم على الريبة من الآخر لمجرد اختلافه .. حتّى وصلنا - أقصدُ مشغّلي العقول لا المغفّلين - إلى مرحلةٍ مرعبةٍ أقرب إلى (الفوبيا) .. فوبيا المحبّة ، وكأنّي أستحضر صدمة (الماغوط) : (الإرهاب لم يترك ليَ فرصةً لأحبَّ أحدًا .. حتّى الله) .ومع ذلك فأنا أكنّ كامل الاعتزاز لكل ممارسي العبادات في حيّزها الروحانيّ (لا) الدعويّ والتبشيريّ . وكلّي تقدير لنوايا الأنبياء أصحاب تلك الرسالات ؛ حين (ابتدعوا) تلك الفكرة صارمين مبتغين الإصلاح .. ثمّ تسرّبت المسبحة من بين أيديهم بعد ذلك . إنّما يجب أن نقول بأنّ الأخطاء التي مورست باسم الإله وباسم الدين و عبر الأنبياء أنفسهم ليست عابرةً ، والجرائم الدمويّة التي رافقت تلك الأديان ليست حفلة معجّناتٍ باريسيّة يمكن التهاون في شأنها !! . وعليه أنا أتناول الأمور كمسبّبات من حيث نتائجها الوخيمة ، كما أتناول أيّة فكرة أو مدرسة فلسفية بالنقد أو التأييد أو عدم الاكتراث .. إذ لستُ رجلاً مهووسًا لا غاية له سوى مهاجمة الأديان ، خاصّة وأنّي أدعو - كآخرين - و بحماسة مفرطة إلى ثورة مراجعةٍ دينيّةٍ يتمّ عبرها تحويل الأديان إلى مسارها الأصليّ ؛ أي الروحانيّ التّعبدي مبتعدةً عن أيّ نشاطٍ تشريعيٍّ أو تنفيذيٍّ أو قضائيٍّ قد يؤهّلها إلى البروز اجتماعيًّا على حساب الدولة المؤسّساتيّة الحديثة . وهذا وحده يكفل لنا - كأحرار - الطلاق البائن بين الدين السياسي و المجتمع العصري .