مقدمة الطبعة الثالثةمنذ أن خلع العرب جلباب الجاهلية الخلق النتن، ولبسوا حلة الاسلام، وأقاموا دولتهم المتواضعة، التي نمت وترعرعت حتى أصبحت ملء السمع والبصر، انبعث العرب المسلمون من جزيرتهم، حاملين كتاب الله، وسُنَّةَ ثلاث وعشرين سنة ـ الا بضعة أشهر ـ وهي سنة رسولهم العظيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لاخراج الناس من الظلمات الى الن...
قراءة الكل
مقدمة الطبعة الثالثةمنذ أن خلع العرب جلباب الجاهلية الخلق النتن، ولبسوا حلة الاسلام، وأقاموا دولتهم المتواضعة، التي نمت وترعرعت حتى أصبحت ملء السمع والبصر، انبعث العرب المسلمون من جزيرتهم، حاملين كتاب الله، وسُنَّةَ ثلاث وعشرين سنة ـ الا بضعة أشهر ـ وهي سنة رسولهم العظيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لاخراج الناس من الظلمات الى النور، ومن عبادة العباد الى عبادة الله الواحد القهار، فوجدوا في طريقهم أعظم امبراطوريتين في ذلك الزمان، فأبادوا واحدة تماماً، وانتزعوا جل أقاليم الثانية، وتمكنوا من بناء دولة وحضارة سادت الدنيا لألف سنة متتالية، وهو ما لم تفعله دولة ولا دعوة ولا دين قبلهم، فكتب لهم التاريخ أروع وأنصع صفحاته، مما أمات الكافرين بغيظهم.وما من حضارة تعرضت للخطر والتحدي الذي تعرضت له وجابهته الحضارة العربية الاسلامية، جاء الصليبيون في حملات متتالية بدءاً من العام (1097م) إلى أن كسر صلاح الدين الايوبي ـ طيب الله ثراه ـ شوكتهم في حطين، ـ شمالي فلسطين المحتلة ـ عام (1187م).ثم اجتاح التتار حواضر العالم الاسلامي، وغرسوا همجيتهم في ربوعها، فحصدهم القائد المظفر قطز، ونائبه ـ الخالد الذكر ـ الظاهر بيبرس عام (1260م) في عين جالوت ـ شمالي فلسطين المحتلة كذلك ـ !!ونظرة عجلى لتماوجات الشعوب وتداخلها في حوض الحضارات في الممر الآسيوي الافريقي ـ قلب العالم الاسلامي ـ توضح لنا أنه ما من حضارة استطاعت الاستمرار والبقاء في هذه المنطقة الا الحضارة العربية الاسلامية، فنفقةُ الحياة في هذه المنطقة صعبة، بل هي أكبر مما تطيقه الحضارات، ولم تبق الحضارة الاسلامية فقط، بل بقيت وعربت المنطقة، وظل القرآن منبسطاً على أهم رقعة للاتصال العالمي الحضاري والجغرافي ـ السياسي، ويزود الله العرب المسلمين إضافة إلى كل ذلك بكل مقومات الدفاع عن وجودهم، فيترافق انفجار النفط من باطن الارض العربية، لا بصُدفة جُيولوجية ولكن تزامناً مع بدايات الخطر اليهودي؟؟! الذي لن يكون ـ بكل يقين ـ أفضل حالا من سابقيه: التتار والصليبين.لقد حُورب الاسلام منذ لحظة ميلاده والى اليوم بشتى الوسائل، لكن الغلاف الخارجي للوسيلة يتغير بتغير الاحوال، أو بما يناسب الزمان والمكان، فالذي كان احتلالاً أو انتداباً، أصبح اليوم يسمي بمقتضيات النظام العالمي الجديد، والذي كان تنصيراً مباشراً، أصبح ينعت بالتنوير، والذي كان اسمه استعمار الشعوب المسلمة ـ والأصح تخريب مبادئها وسياستها ونهب خيراتها ـ ، أصبح يكنى بكنية تنبئ عن المقصود وهي: مقاومة الأصولية، والذي كان يسعى للقضاء على اللسان العربي ليصبح العربي المسلم غريب الوجه واليد واللسان، أصبح اسمه: كونية الثقافة، أو انسانية المعرفة.كما أن كل كتابات أدعياء التنوير المزعوم لا تخرج عن إطار الدعوة لثلاثة أوثان يبشرون بعبادتها ويرون فيها التزوير المنشود وهي: الحضارة الاوروبية، والاشتراكية، والقومية العربية، وليس هناك تناقض، فالاشتراكية: هي إحدى ثمرات التطور الاقتصادي في أوروبا، والقومية العربية: استنسخها تلاميذ لورنس عن القوميات الاوروبية التي سبقت ظهور الحضارة الاوروبية، وتتردد على ألسنتهم كلمات معينة مثل: ـ العلمانية ـ و ـ المشروع الحضاري ـ ويسعون جاهدين لفصل الدين عن الدولة، ويشنون حملة ضارية ومسعورة على ـ الاسلام السياسي ـ ، وشعارُ ـ الاسلام هو الحل ـ هو الثوب الأحمر الذي يثير الثور من عقاله.ولو بحثت عن أصول من يدعو لتلك الأوثان المزيفة، لوجدت غالبيتهم إما من ـ النصيريين أو بقايا الإسماعيليين أو النصارى ـ ، ومن الطرائف العراقية: أن بعضهم كان يُعَرِّفُ نفسه قائلا: ـ ثلاثة شين ـ يقصد: أنه شروقي ـ أي من سكان جنوب شرق العراق ـ وشيعي، وشيوعي..!!ثم انظر إلى الكاتب النصيري ـ علي أحمد سعيد ـ الذي تبرأ من اسمه واختار اسما فينيقيا ـ أدونيس ـ يقول في أطروحته (رسالة الدكتوراه: الثابت والمتحول): ـ (وتعني فكرة التأويل في الظاهر، العودة إلى الأول، لكنها تعني على المستوى التاريخي، تفسير الأول بما يلائم التالي، إنها تعني بتعبير آخر: تفسير القديم بما يلائم الجديد، وبعبارة أخرى: أن يصبح التابع متبوعاً، والمتبوع تابعاً).وانتقال المتبوع إلى مرتبة التابع، معناه: أن نُفسر نصوص القرآن والسنة ـ مثلاً ـ بما يوافق الزيوف الواردة من الغرب أو الشرق، ومعنى ذلك: أن يُصبح الهوى المريض هو الأصل والقاعدة، وأن الوحي ما نزل لكبح جماح الغرائز وتهذيب السلوك والأخذ بقلوب البشر ونواصيهم إلى صراط الله، وإنما نزل تبريراً لأهوائهم، وتسويغاً لضلالهم.ولقد كان أستاذه: القسيس ـ بولص نويا ـ مغتبطاً بتلميذه حيث قال هذا الكاهن في تقديمه لرسالة تلميذه مخاطباً اياه: (ذكرتَ في الأطروحة أن التراث هو بمثابة الأب، ونحن نعلم منذ ـ فرويد ـ أن الأب لا يستطيع أن يكتسب حريته، ويحقق شخصيته الا إذا قتل أباه، فعلى الانسان العربي أن يميت تراث الماضي في صورة الأب، لكي يستعيده في صورة الابن، حينذاك ـ دون أن يخرج على دينه ـ سيخلق تراثاً جديداً وحضارة جديدة، يكونان تراث الحرية وحضارتها).فهذه الكلمات أسفرت عن أمانيهم السوداء الكالحة، فالمعلم هو الصليبي: بولص نويا ـ ساكن جامعة الأمريكان في بيروت ـ ، والتلميذ هو: النصيري أدونيس ـ مستغرب في دنيا العرب ـ وغاية المؤامرة: قتلُ الأب حتى يحقق الابن شخصيته، أو بعبارة أوضح: الارتداد عن الدين هو السبيل الأوحد لكي يحقق العرب حريتهم وحضارتهم!! ولكن ما هو الأب الذي على العرب والمسلمين أن يقتلوه؟ أو ما هو التراث الذي عليهم أن ينسلخوا عنه؟ أو ما هو الدين الذي عليهم أن يرتدوا عن سبيله؟ إنه ـ بالطبع ـ ليس يهودية فرويد، ولا صليبية بولص نويا، ولا الفينيقية التي ارتد اليها أدونيس بعد أن كان يتسمى بأسماء المسلمين… ومثله فعل الدكتور: ـ سليمان بشير، في كتابه ـ التاريخ الآخر ـ the other history ـ ، المطبوع في القدس المحتلة ـ (رهينة اليهود) اذ اعتمد على كُتب النصيريين وبقايا الاسماعليين، وعلى ما تقيأه المستشرقون ـ رسل الاستعمار ـ ، وما تقممه من شاذ الفكر، أو تخيره من اسرائيليات التراث، ليُشوه التاريخ الاسلامي، يخجل طالب مبتدئ من التفوه بها، لافتضاح كذبها، ناهيك عن أستاذ جامعي يقوم بتدريس مادة التاريخ الاسلامي.!! في جامعة النجاح في مدينة نابلس ـ التابعة حالياً للسلطة الوطنية الفلسطينية!؟وقد أحسن إخواننا في الجامعة المذكورة إذ قاموا بطرده من رحاب الجامعة وكنسوه من مدارجها فخرج منها مذموماً مدحوراً، ربما إلى إحدى الهيئات الثقافية التابعة لهيئة الامم المتحدة، أو مؤسسة فرانكلين إذ أن أمثال هذه الهيئات، هي المستقر لأمثال هؤلاء.لذا قررت إعادة طباعة هذا الكتاب،بعد مضي ثلاثين سنة ونيف على طبعته الأولى، ـ وبعد هذه الانتفاضة المباركة ـ ، فأضفت فصلا بينت فيه شيئا من تاريخهم الحديث، وكيف سيطروا على حزب البعث، وبالتالي على دفة حكم بلادنا السورية.. وأجريت بعض التعديلات الطفيفة على بعض الموضوعات، وتوسعت في بيان بعضها، وعموما لم أجد تغيراً ملموسا على سلوك أبناء هذه الطائفة، سواء أكانوا في موقع التوجيه السياسي أم الثقافي، مما جعل شعبنا السوري بكافة مكوناته الاجتماعية، ينتفض ضد هذه الفئة النصيرية المتسلطة على رقاب شعبنا الأبي، والتي اتخذت من حزب البعث ستارا لتحقيق مآربها الخبيثة، وفي ذلك مافيه من الدلالات على أن مبادىء هذه الطائفة التي ينتمي إليها كثير من هؤلاء السياسيين والكتاب الذين تربعوا ـ بالوكالة ـ على مقر قيادة الحرب ضد الاسلام وقيمه ومبادئه، في حُرِّ وطنه وخالص أرضه..لم يغيروا شيئا من مبادئهم أو أهدافهم. والله أسأل أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن يجنبني الرياء، ويلهمني السداد في القول، والاخلاص في العمل، إنه نعم المولى ونعم النصير.بقلمد. سليمان الحلبي