"ابتسمت علية بامتعاض وقالت: شيء مثير للسخرية شرف العائلة مبني على شرفها. فمن تكون هي بالنسبة لهم وبالنسبة للمجتمع؟ أليست مخلوقاً ضعيفاً ناقص العقل والإدراك. يا ليت ينعتونها بالمخلوق الضعيف أو الناقصة للعقل فقط؟ إن في بلادنا من الأمثال التي لا تحمل للمرأة إلا الإهانات. فتحطم كل شيء جميل في المرأة، حيث تُنْعت بالخيانة والغدر وسوء ...
قراءة الكل
"ابتسمت علية بامتعاض وقالت: شيء مثير للسخرية شرف العائلة مبني على شرفها. فمن تكون هي بالنسبة لهم وبالنسبة للمجتمع؟ أليست مخلوقاً ضعيفاً ناقص العقل والإدراك. يا ليت ينعتونها بالمخلوق الضعيف أو الناقصة للعقل فقط؟ إن في بلادنا من الأمثال التي لا تحمل للمرأة إلا الإهانات. فتحطم كل شيء جميل في المرأة، حيث تُنْعت بالخيانة والغدر وسوء المعاملة والسلوك وفساد الطبيعة. لا أذكر من هذه الأمئلة إلا القليل منها: مثلاً: كل بلية سببها ولية... لي بعا العذاب يرافق النساء والكلاب. الخ من تلك الأمثال السلبية. إن المرأة تعيش طفولتها كشيء مهمل منعوتة بالعار تابعة كلياً للبيت. لن ترتاح منها عائلتها إلا من طريق الزواج الذي يعتبر شملاً اجتماعياً يضمن سترها وتريح أهلها من شرها. فاسمعي هذا التشبيه يا علية على المرأة: العاتق في الدار عار البنت عار ولو كانت مريم. ضرستك إلا وجعتك قلعها بنتاك الاكبرت ودعها وإيه اللي حصل بعد كده؟ اتجهنا إلى حيث نقعد. شربت الكأس الثالثة من ذلك الكوكتيل المر الذي سرى في عروقي مراً، وأيقظ في عقلي ذلك السر الخطير. فأحسست بدوار في رأسي مثل المرة السابقة. ذلك العصير طعمه غريب وتأثيره في نفسي كان أغرب، جعلني أتخبط في بحر من التناقضات وفي خليط من المشاعر رغبة تريد ضم سمير إلى صدري وأغمض عيني إلى الأبد ورغبة تتوق إلى إفشاء السر الخطير. رغبة تعيد الانتقام من نفسي ومنه ومن كل شيء. خفت من نفسي على نفسي ومن أحاسيسي وتفكيري. فنهضت من مكاني مستأذنة مغادرة الحفلة، فخفت أن أقع على الأرض لأنني أشعر بدوار وأحس و:انه سيغمى عليه... فخفت من سمير، فمهما بلغت سماحته وثقافته ووعيه فإنه يبقى ذلك الرجل العربي الغيور على المرأة صديقة أم زوجة. الغيور على ماذا؟! الغيور على البكارة، أعني الشرف. حتماً... جلست مرة ثانية في مكاني... لم تعد بي رغبة في المكوث في الحفل ولم تكن أذناي تنصت إلى الموسيقى بقدر ما كانت تسمع إلى إيقاعات تشردي داخل عقلي.... تعبت من نفسي كما سئمت من سمير فارس أحلامي، ودعته بقلبي وودع قلبي حبه، متأسفة على ذلك القدر الذي جمعنا في حدود الجزائر والمغرب، متأسفة على قلبينا اللذين انجرحا بسبب جبن وكبت وخوف وكبرياء..".تجربة حياتية أنثوية تستعرضها الروائية المغربية في إطار درامي مزج بين التكتيك الروائي والإحساس الإنساني والنقد الاجتماعي. تجربة تعيشها غالبية التي على الرغم مما يحول اسمها من مكانة عند أهلها حتى وسموها به، إلا أنها في لحظة يمكن القول عنها أنها غيبة بما فيها من معاني متوارثة، كانت تلك اللحظة ستصل بتلك الغالية إلى اللاوجود... إلى الموت، وذلك من قبل أهلها الذين كانت عندهم في يوم من الأيام غالية. تطرق الكاتبة باب العنف الاجتماعي الموروث ضد المرأة بإصرار، وتأخذ القارئ إلى أماكن عدة شرقية وغربية، عربية وأوروبية، مؤكدة على أن ما استقر بفعل العادات والتقاليد لا يمكن أن يزول بسهولة، وتسحبه الروائية القارئ لمشاركتها مشاعرها، ولن يكون هنا كفرق بين قارئ أو قارئة، فلعل المعاناة الأنثوية تميط اللثام عن ظلم اجتماعي محيق بالمرأة، ولعل التجربة تقنع القارئ بضرورة إعادة القارئ حساباته في نظرته إلى المرأة وإلى كل ما استقر في الأذهان، وإلى كل ما يحرك اللاشعور من سلبيات اتجاهها.تغرق الكاتبة القارئ وتشده متابعاً الأحداث بشوق إلى الوقوف على نهاية فتاة شكت جهلاً بعذريتها وأخذت تهرب بسرها وقبلاً من نفسها من مواجهة من مجتمع ظالم، وإلى نهاية الرواية يمكن للقارئ والأحرى القارئة الوصول إلى حقيقة، بأن للأنثى دور سلبي يقع في دائرة الجبن والجهل وظفته دون قصد منها لإلحاق المزيد من الظلم بها... ربما....