منذ ان ظهر كتاب الأستاذ (فلافيو لوبيز دي أونياتي) الذي تناول موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في مجال تحديد العقوبة، وإن كان الكتاب قد صدر تحت عنوان الثبات القانوني والذي لفت فيه انتباه الدارسين والمهتمين بالقانون الجنائي، ودعاهم إلي إعادة النظر فيما كانوا يعتبرونه أنه احد المكاسب الإنسانية في مجال القانون الجنائي، سلطة واس...
قراءة الكل
منذ ان ظهر كتاب الأستاذ (فلافيو لوبيز دي أونياتي) الذي تناول موضوع السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في مجال تحديد العقوبة، وإن كان الكتاب قد صدر تحت عنوان الثبات القانوني والذي لفت فيه انتباه الدارسين والمهتمين بالقانون الجنائي، ودعاهم إلي إعادة النظر فيما كانوا يعتبرونه أنه احد المكاسب الإنسانية في مجال القانون الجنائي، سلطة واسعة في مجال تقدير العقوبة، باختيار ما يراه مناسباً من بين العقوبات الواردة ما بين الحد الادني والأقصي في النص المطبق، وأن ما يتمتع به القاضي الجنائي يقره الفقه القانوني المعاصر، ويدعو المشرعين الذين لم يأخذوا به إلي تبني هذا النظام المتقدم.ولقد جاء الكتاب المذكور للأستاذ الشاب لينبه إلي أن ما وصل إليه الفقه والتشريع في هذا الخصوص إنما يسبب مشكلة، بل هو أزمة القانون الجنائي في الوقت الحاضر، إن ما يجب ان يصل إليه القانون الجنائي من تطور ورقي، يكمن في الأخذ بمبدأ المشروعية في أوسع مفهومه ومعانيه، وهذا لن يتم إلا بتحديد العقوبات من حيث المقدار علي وجه الدقة، بحيث يدخل المتهم قاعة المحكمة وهو عالم بصورة مسبقة وعلي وجه التحديد بمقدار العقوبة التي ستنزل به إذا لم يصدر الحكم قاضياً ببراءته فإذا لم يصل القانون الجنائي إلي هذه المرحلة، فإنه يعتبر في ازمة تزداد حدتها يوماً بعد الآخر، ولا تقل في خطورتها عن الازمة التي كان يعيشها في عصر ما قبل (سيزاري بيكاريا)، كأن الجرائم اليوم محددة والعقوبات علي غير ذلك، وكأننا لا نقبل فكرة التجريم إلا بنص، ونقبل العقوبة بدون نص، وأننا ايضاً، ندعو إلي عدم المساواة في العقوبات حتي مع تشابه الأفعال المجرمة.إن البحث في موضوع سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، يعني الخوض في مثل هذه المسائل واقتراح الحلول لهذه المشاكل حتي يتسني إخراج القانون من أزمته، إن ما نبه إليه (دي أونياتي) منذ اربعين سنة وما أثاره في تلك الفترة، عاد ونبه إليه اليوم الأستاذ حاتم حسن بكار في كتابه الذي شرفنى بتقديمه إلي القارىء الكريم، مع إضافة ما طرأ من تطور علي القانون والقضاء طوال الفترة التي مرت علي ظهور الكتاب المشار إليه.وسيجد القارىء في كتاب الأستاذ حاتم بكار خروجاً من المؤلف عن الإطار التقليدي للبحث، وأنه تعامل مع الموضوع بعقلية الباحث المنقب الناقد الذي يصل إلي النتائج من خلال التسلسل المنطقي للمقدمات التي يضعها، ومن هنا سيكتشف القارىء أن من القانونيين من يسلك المنهج النقدي في البحث، وهو أمر ليس من السهل إتباعه والوصول إلي مبتغاه إلا لمن كانت له القدرة العقلية والعلمية التي تمكنه من ذلك.