مفهوم الإرادة ودورها في القانون الخاص : دراسات فلسفية تحليلية علي ضوء تحولات العولمة وتطورات القانون

إن المتأمل في مسيرة الإنسانية يجد أن الحركة والفعل ديدن الإنسان عبر هذه المسيرة الطويلة، فقد ظهرت المدارس الفلسفية التي تؤمن بحرية الإرادة وقوبلت هذه المدارس بالمدارس القدرية والتي تؤمن بالجبرية وعدم حرية الإرادة، وإذا كان صحيحاً أن القانون يهتم بالإرادة بعد خروجها من مكامن النفس وذلك بالتعبير عنها فإن هذا القول لا يتعارض مع القول بحرية الإرادة في عالمها غير المحسوس فالقانون يشترط في الإرادة القانونية السلامة من العيوب، ويريدها إرادة واعية ومدركة إذ ليس هناك عيب أكبر من أن تكون الإرادة مجبرة وغير مختارة ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك مسوغ لإقامة المسؤولية القانونية. والإرادة من خفايا النفس، لا يدركها وجوداً ولا معنى إلا صاحبها فهي خالصة له دون سواه وينفرد بها وجوداً وغاية دون بقية الناس، والصلة بين الإرادة والقانون على درجة كبيرة من الوثوق، فالإرادة هي المبدأ الأساسي في الإنسان والمجتمع وعليه فلا بد أن يكون تاريخ البشرية كله سجلاً لأعمال الإرادة، وإذا كانت الإرادة تصميماً واعياً في النفس لأداء معين وبالطبع فلا بد من أن يكون هناك هدف لهذا الأداء ووسائل لتحقيقه وقرار ذهني سابق، إذا كانت الإرادة كذلك؛ فإنها عندما تخرج إلى العالم الخارجي وتنفصل عن كوامن النفس وقد تتصادم وتتعارض مع إرادات أخرى، ومن هنا كان الوثوق والصلة بين القانون والإرادة على درجة كبيرة من الأهمية والتقارب، فالقانون وجد لحماية الإرادة حيناً وللوقوف في وجهها حيناً آخر، وذلك بهدف تنظيم وصقل الإرادة ضمن إطار قانوني شامل يحقق غاية القانون وفلسفته سواء بالنسبة إلى الفرد أو المجتمع، وبالنظر إلى المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة فإن مسألة حماية الإرادة من خلال النظرية التقليدية لعيوب الإرادة أصبحت موضع نظر إذ إن الإرادة أصبحت تتعرض اليوم للكثير من المؤثرات وذلك بفعل عوامل مختلفة منها التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك من المؤثرات، وإذا كان القانون قد حرص على سلامة الإرادة وحريتها من خلال تخطي القواعد الموضوعية الجامدة والانطلاق إلى القواعد المرنة في مجال عيوب الإرادة، فإن ذلك لم يعد كافياً في الوقت الحالي لحماية الإرادة القانونية.