سعت صفحات هذا البحث، لمقاربة السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الوطن العربي، من خلال إشكالية أساسية، تمثل جوهر الصراع الذي تعاني منه هذه السياسة والذي يتمظهر في جدلية الاستقلال/التبعية للمركز الإمبريالي، وتوصلت إلى استنتاج مؤاده أن فرنسا لم تفلح في بلورة سياسة مستقلة ومؤثرة. فلم تجد الترتيبات الديغولية في حمل فرنسا إلى مصاف القوتين...
قراءة الكل
سعت صفحات هذا البحث، لمقاربة السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الوطن العربي، من خلال إشكالية أساسية، تمثل جوهر الصراع الذي تعاني منه هذه السياسة والذي يتمظهر في جدلية الاستقلال/التبعية للمركز الإمبريالي، وتوصلت إلى استنتاج مؤاده أن فرنسا لم تفلح في بلورة سياسة مستقلة ومؤثرة. فلم تجد الترتيبات الديغولية في حمل فرنسا إلى مصاف القوتين العظميين، أو على الأقل تقويض أركان القطبية الثنائية، وتعويضها بنظام جديد يرتكز على التعددية المركزية.فعلى الرغم من بعض الشطحات المتميزة، فقط ظلت هذه الممارسة الفرنسية متواضعة ومتأرجحة بين نهج استقلالي فاعل ومؤثر وخضوع للاستراتيجية الأمريكية.وفي السياق نفسه، فقد كشفت هذه الدراسة، عن التناقضات والمصاعب التي تصطدم بها الممارسة اليسارية للسلطة الغربية، على ألأخص في المجال الخارجي. إن وصول اليسار الفرنسي -ذي أغلبية اشتراكية- إلى السلطة اكتسب دلالة عميقة، وطرح تساؤلات متعددة، تمحورت حول ما إذا كان سيقوم بتجربة اشتراكية متميزة في الغرب. وازداد هذا التساؤل حدة، لكون الاشتراكيين الفرنسيين رفضوا دائماً التماهي مع الاشتراكية الديمقراطية السائدة في بعض الدول الغربية، ولم يترددوا في التقرب من الشيوعيين.بيد أن حصيلة الممارسة الاشتراكية، تظهر، أنها عجزت عن إبداع ما يمكن أن نصطلح عليه بالتجربة أو النموذج، لقد اكتشف اليسار/السلطة، ثلاث حقائق أساسية: أولاً: إنه لا يمكن تغيير بنى متجذرة ومندمجة كلياً في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، من خلال إجراءات تجميلية فقط، بل لا بد من عملية جراحية عميقة، تعيد هيكلتها بشكل كلي: وهي مهمة صعبة، عن لم تكن مستحيلة، نظراً للمخاطر المترتبة عن سلخ الاقتصاد من المحيط الذي ترعرع فيه، ونما في أجوائه.ثانياً: بشكل جدلي، فقد تعمقت الضغوط الخارجية، وتداخلت أكثر السياسة الخارجي والسياسة الاقتصادية، لقد اضطرت الحكومة الاشتراكية الفرنسية، -خلافاً بمشروعها/المعارضة- إلى تبني بعض الإجراءات اللاشعبية، لحل الأزمة الاقتصادية الداخلية. وبتواز مع ذلك، فقد عانقت بشكل إجمالي، الخيارات الخارجية للمسؤولين السابقين. مما أدى إلى استقالة (أو إقالة) بعض الشخصيات التي نادت بسياسة أخرى مغايرة، كما هو الشأن بالنسبة لبيير كوت المسؤول سابقاً عن وزارة التعاون، والذي برز "أكثر مثالية" في ظل أغلبية تريد سياسة أكثر واقعية. وكذا بيير شفنمنت، زعيم تيار "سيريس" الذي أعاد استرجاع مقولة "الاستقلال الوطني"، وتحفظ إزاء الاختيارات المتبعة، لا سيما منها تلك التي تم نهجها بعد انتخابات آذار/مارس 1983 وطالب من خلال تياره بسياسة خارجية مناهضة لمنطق الأحلاف وأكد على الدلالة الخارجية لمشروع فرنسي ينبغي تجمله بنوع من الوجدان العاطفي. ولكن هل يمكن أن تجد هذه الدعوة صدى، في زمن، استفحلت فيه الامتثالية، ودفع الخوف بالكثيرين إلى الاحتماء بالمظلة الأمريكية".ثالثاً: لقد أبانت السياسة الخارجية الفرنسية المنتهجة منذ سنة 1967 عن سيادة نوع من الاستمرارية، بالرغم من التناوب على السلطة. وقد تجلت بوضوح في الموقف الفرنسي من الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك في التعامل مع الحرب في الخليج العربي، حيث أعلن الرئيس ميتران، خلال زيارته لتونس في تشرين الأول/أكتوبر 1983، أن بلاده لا يمكن أن تقبل بانهيار للعراق، لأن ذلك يرتبط بالتوازن في الشرق الأوسط.حتى بين أطراف النظام العربي، فقد حرص المسؤولون الفرنسيون على ضمان ممارسة سياسة متوازنة. وهكذا فإن الأنظمة العربية المعتدلة، التي كانت غير مرتاحة لوصول اليسار الفرنسي إلى السلطة، سرعان ما زايلها هذا الشعور بعد أن عبرت الحكومة الاشتراكية، تحت ضغط الاعتبارات سابقاً، عن رغبة أكيدة في المحافظة على الالتزامات نفسها، والعلاقات التي أبرمتها الحكومة السابقة.