الكتاب من ترجمة رباب زين الدين وعبد السميع عمر.لم يكن فهم طبيعة النظام السياسى للولايات المتحدة الأمريكية وأسلوب عمل حكومتها، بكل تعقيداته وأوجه تفرده، هامًا مثلما هو اليوم ـ فقد أظهرت السنوات الأخيرة، التى تربعت فيها الولايات المتحدة منفردة على قمة النظام العالمى، مدى التأثير العميق لسياسات هذه الدولة العملاقة على حياة أمم العا...
قراءة الكل
الكتاب من ترجمة رباب زين الدين وعبد السميع عمر.لم يكن فهم طبيعة النظام السياسى للولايات المتحدة الأمريكية وأسلوب عمل حكومتها، بكل تعقيداته وأوجه تفرده، هامًا مثلما هو اليوم ـ فقد أظهرت السنوات الأخيرة، التى تربعت فيها الولايات المتحدة منفردة على قمة النظام العالمى، مدى التأثير العميق لسياسات هذه الدولة العملاقة على حياة أمم العالم جميعها. ومن هذا تأتى الأهمية الكبرى لهذا الكتاب ـ الوثيقة. بالنسبة للعالم العربى على اتساعه. وعلى قدر أهمية تحقق أعمق مستوى من الفهم لتفاصيل هذا النظام المعقد، بقدر ما يتصف به تحقيق ذلك الهدف من صعوبة ـ فالنظام السياسى الأمريكى قائم على تركيبة بالغة التعقيد من القوانين والتشريعات، ومن الأعراف والتقاليد، ومن الممارسات والمناورات المعلنة والخفية، التى كثيرًا ما تستعصى على فهم وإلمام الخبراء، وليس على المتابع العادى فحسب ـ كما أن الساحة العلمية والسياسية، سواء فى الولايات المتحدة أو خارجها، مشحونة بتيارات تجعل من التناول المحايد والدقيق لهذا النظام أمرًا شديد الصعوبة. وفى هذا تكمن القيمة الخاصة لهذا الكتاب . فقد نجح مؤلفاه فى أن يجمعا فيه بين شمولية العرض ودقته، وبين الموضوعية والحياد، على نحو يجعله مرجعًا فريدًا لفهم النظام السياسى الأمريكى ومختلف أنشطة الحياة الأمريكية بكل تفاصيلهما وتعقيداتهما. وقد مثلت ترجمة هذا الكتاب تحديًا كبيرًا. فقد احتوى على دراسات سياسية وقانونية واقتصادية وتاريخية واجتماعية فى آن، بكل ما يتطلبه ذلك من التعامل مع مئات من المبادئ والنظريات والمصطلحات التى تتعلق بمعارف شديدة التنوع والتباين، ثم صياغته على نحو يجمع بين ما يتصف به الكتاب الأصلى من لغة علمية دقيقة وعرض واضح سلس التناول ـ ورغم صعوبة المهمة ـ التى اتسمت بها عملية الترجمة ـ فها هى المحصلة النهائية بين يدى القراء ـ ليست مجرد كتاب ـ وإنما وثيقة علمية عظيمة الفائدة لرجال الحكم والمتخصصين والدارسين والمثقفين والقراء العاديين فى العالم العربى، بما يقدمه من عرض متميز، وما يحتويه من تحليل سياسى وعلمى يغطى نطاقًا واسعًا من العلوم والمبادئ الإنسانية. خطابات إلى الأمة والقيادة دور الفكر السياسى ومسئوليته المجتمعيةيتضمن الكتاب صنفًا من الأدب السياسى عبارة عن مجموعة من الرسائل السياسية تخاطب الأمة، وتقرع ضمائر قيادتها الفكرية والسياسية، تحلل واقعها المتردى فى مختلف أبعاده وجوانبه، ولكنها فى الوقت ذاته تثير الأمل فى الأجيال القادمة بأنها ما زالت تمتلك إرادة التحدى والفعل، حيث يكشف الكتاب بكل صراحة ظاهرة اختلال القوى القيادية فى الأمة باعتبارها ذروة المأساة التى نعيشها، فى منطقة أضحت مستباحة ومصائرها تقودها الإرادات الأجنبية المختلفة، حيث يرصد ثلاث قوى أساسية تنخر فى جسد الأمة، أولها: القيادات الحاكمة وهى من أسوأ ما عرفته أمتنا فى تاريخها الطويل، وثانيها: الثروات التى وضعت فى أيد غير صالحة أو غير أمينة على استغلالها، وثالثها: هل الفكر الذين خانوا قضايا أمتهم، وأضحوا أبواقًا تقوم بوظيفة الزفة السياسية للحاكم وللمستعمر.تقدم لنا هذه الخطابات والرسائل نموذجًا واضحًا لدور المفكر السياسى وعلاقته بالسلطة الحاكمة حيث يذكر العلامة الجليل حامد ربيع أن هناك لحظات فى تاريخ المجتمعات يتعين على المفكر أن يقرع الضمير الجماعى ليحيله إلى قوة تحد ورفض وعصيان .. إذ نحن نسير من سيء إلى أسوأ وقد أضحت الأرض العربية مسرحًا واسعًا للعرائس واللامعقول ... كما ان هذه الخطابات تركز على محور ثابت: أن الأمة لها هويتها الحضارية وطريقها فى مضمار التطور السياسى المتميز والذى يقوم على عاتق الظاهرتين الدينية والمدنية السياسية، ويذكر أنه حتى فى لحظات الهزيمة التى نمر بها يجب أن نعلم أن الاستسلام له منطقه وإستراتيجيته، كما أن ممارسته تفترض حنكة معينة وليس هكذا كما تسير الأمور جزافًا.لقد مضى عالمنا الجليل قبل عقدين من الزمان واضعًا منهجية الطريق لجيل من أبنائه وتلامذته فى مدرسة العلوم السياسية المصرية والعربية، تقف فى صف الأمة وتصدع بكلمة الحق فى مواجهة طغيان السلطان وجوره، ترفع راية التحدى والعصيان فى وجه من يهددون حصوننا من داخلها، وفى مواجهة الأعداء الذين تداعوا للعدوان على الأمة من كل حدب وصوب.الكتاب الذى بين أيدينا لنا أن نتفق أو نختلف مع ما ورد فيه، لكنه حديث صدق وعدل إلى الأمة المصرية والعربية الإسلامية وقيادتها الفكرية والسياسية، يحدد مواطن الخلل والتراجع ويقدم إستراتيجيات المواجهة والعمل الواعى والهادف.