هذا الكتاب متميز لأكثر من سبب لأنه أولاً يلقي نظرة جديدة تماماً على عدد من المراحل الأكثر اضطراباً في الحرب الباردة. رغم أن الأدب الغزير الذي نشر منذ تفكك الاتحاد السوفييتي كان قد عودنا على أن نعتبر "اللغز الذي يلفه الغموض" الذي تحدث عنه وينستون تشرشل أمراً مؤكداً لم تحصل جوانب كثيرة من التاريخ الحديث حتى الآن على ما يكفي من الض...
قراءة الكل
هذا الكتاب متميز لأكثر من سبب لأنه أولاً يلقي نظرة جديدة تماماً على عدد من المراحل الأكثر اضطراباً في الحرب الباردة. رغم أن الأدب الغزير الذي نشر منذ تفكك الاتحاد السوفييتي كان قد عودنا على أن نعتبر "اللغز الذي يلفه الغموض" الذي تحدث عنه وينستون تشرشل أمراً مؤكداً لم تحصل جوانب كثيرة من التاريخ الحديث حتى الآن على ما يكفي من الضوء وما زالت غارقة في غباشة تناسب خلود الأساطير. أجهزة النظام الذي حكم لمدة تزيد على السبعين عاماً سدس اليابسة على الكرة الأرضية أصبحت معروفة جيداً، وإن كانت ما زالت بعض الاختلافات في وجهات النظر موجودة لدى بعض المختصين فإن ذلك بنصب بشكل خاص على التفسير النظري لعمل تلك الأجهزة. وهكذا وباستثناء عدد من الرافضين المتمكنين المتواجدين في جميع المعسكرات المتطرفة لا ينكر أحد القمع ومحصلته الرهيبة. ينصب الجدال على مسؤولية الأيديولوجيا. على من تلقى مسؤولية المجزرة؟ على الشيوعية؟ أو على انحرافات مرتبطة بما زالوا يطلقون عليه بسذاجة اسم "عبادة الفرد" أي بستالين؟. ولكن وكما يقال في لغة علم الإجرام لا تتطلب معرفة مظاهر أسلوب علم النظام السوفييتي على الإطلاق معرفة كاملة بالشؤون التاريخية التي قام بدور فيها، على عكس ما يتصوره الكثيرون لم يفتح الأرشيف السوفييتي كثيرً إلا حول المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وإن كان قد تم اختيار بعض الوثائق اللاحقة فهي استثناءات متعلقة بلحظات النشوة التي تلت انهيار النظام.المواضيع الأكثر تكتماً في هذا الأرشيف هي تلك المتعلقة بالكي جي بي سابقاً باستثناء أعمال القمع التي مورست ضد الفلاسفة والفنانين والكتاب المشهورين في العشرينات والثلاثينات، وعدة وثائق "حورت" لأسباب لا يعرفها سوى المسؤولين عن لوبيكانا، المتر المرسكوفي لأمن الدولة، فإن الوثائق النادرة التي تنتقل وهي تحمل ترويسة الكي جي بي هي من مراسلات هذه الهيئات مع هيئات أخرى، خاصة اللجنة المركزية للحزب، احتفظت بها.وفي روسيا الجديدة قام عدد من ضباط الكي جي بي، وهم مسؤولون سابقون أو متقاعدون كانت لهم علاقات بالعمليات الحربية، بنشر مذكراتهم أو شاركوا في تأليف كتب عن قضايا تعاملوا بها أو علموا بها. عندما لا تكون هذه المؤلفات عبارة عن مرافعات تحيل إلى الجدال رغم أهميتها، فإن الصفة المشتركة لهذه المؤلفات هي أنها كتب بموافقة ضمنية من الكي جي بي، سابقاً.وأهم ما امتازوا به أنهم أعطوا وجهة نظر مختلفة عن تلك السارية عادة في الغرب وقدموا رؤية مجسمة لقضايا لم يكن باستطاعة المختفين دراستها إلا من زاوية واحدة. وهكذا فإن الأعمال التي كتبها عاملون سابقاً في الاستخبارات السوفييتية حول الجاسوسية الذرية أو عن الطلاب الخمسة المشهورين في كامبريدج الذين جندوا في الثلاثينات إن كانت تعطي التفاصيل أو تتعمق في المفهوم فإنها لا تعدل جذرياً المعرفة السابقة بالتاريخ. بالإضافة إلى ذلك فهي متعلقة بأحداث اعترفت بها موسكو: فلقد اعترفت السلطات السوفييتية أنه لولا أسرار البرامج النووية الأمريكية والبريطانية التي سرقتها شبكات الجاسوسية السوفييتية لما توصل الاتحاد السوفييتي أبداً إلى صنع القنبلة الذرية ثم القنبلة الهيدروجينية في هذه الفترة القصيرة جداً. بعد الأحداث بخمسين سنة أشادت الحكومة الروسية بأهم المشاركين في هذه المغامرة السرية الذين ما زالوا على قيد الحياة. ومنهم الكساندر فلكيسوف المؤلف الرئيسي لهذا الكتاب الذي جرى تكريمه بلقب بطل الاتحاد الفدرالي الروسي وهو أعلى وسام في بلاده. وقد اهتم الكسندر فكليسوف مع وسيرجي كوستين بنشر اعترافاتهم كعميلين سوفييتيين في هذا الكتاب.هذا وإن أهم ما يميز هذا الكتاب هو أنه تمّ تأليفه رغم معارضة "الأس في آر". ويتحدث عن أحداث أهمها قضية روزنبرغ التي لم يعترف بها الكي جي بي أو الأجهزة التي خلفته. إنه لا يهدف إطلاقاً إلى عرض النسخة السوفييتية عن قضايا معروفة جيداً في الغرب وإنما تقديم شهادة عن وقاح بقيت طي الكتمان حتى الآن ولولا ذلك كانت ستبقى كذلك إلى الأبد.