سلسلة دراسات في الكتاب المقدس #38: دراسات كتابية في سفر رؤيا يوحنا

لقد شغل سفر رؤيا يوحنّا الإنجيليّ، وهو الأخير في أسفار العهد الجديد، عقول الناس وأذهانهم لفترات طويلة وأثار فيها الكثير من الأسئلة، فمن خلال حديثه عمّا يُعرف بــ"علامات الأزمنة" يطرح سجالاً واسعاً في موضوع نهاية التاريخ المزمعة.وتالياً، يتساءل الناس في أيّامنا: هل نحن بالواقع على عتبة نهاية التاريخ؟ وهل ما نعيشه اليوم من تبدّلات في نمط حياتنا هو "علامات الأزمنة" و"مبتدأ الأوجاع" (متّى 8:24)؟ هل صحيح حقّاً أنّ سفر الرؤيا قد سبق أن تحدّث عن هذا كلّه؟.لا بدّ من القول، بادئ ذي بدء، إنّ هذه الأسئلة كلّها طُرحت سابقاً وباكراً جدّاً، أي منذ القرن الميلاديّ الأوّل، حتّى إنّها هي في الحقيقة السبب الخفيّ الكامن وراء كتابة هذا السفر، بدون أن يعني هذا، بطبيعة الحال، أنّها السبب الوحيد لذلك.لقد اعترى الأوساط البشريّة في نهاية الألفيّة الأولى خوف شديد، قد تمّت ألف سنة على مجيء المسيح على الأرض، وها هو يأتي ملكاً الآن بالمجيء الثاني، الأمر الذي قاد جماعات دينيّة تلبس لبوس المسيحيّة إلى النزول إلى شوارع أوروبّا في يوم محدّد وساعة معيّنة في إنتظار "الآتي سريعاً"! (رؤ 22: 12)، كلّ هذا تمّ طبعاً على خلفيّة تفسيرات خاصّة لسفر الرؤيا.وكلّما تغيّر الواقع الراهن وتفاقمت الأحداث واختلّ نظام الحياة المألوف بشكل يثير القلق والرعب في النفوس، عاد سفر الرؤيا إلى الواجهة ليتصدّر المقام الأول، فعندما دارت رحى الحرب العالميّة الأولى والثانية، ومع إستخدام القنبلة الذرّيّة للمرّة الأولى وما تسبّبت به من دمار، كان سفر الرؤيا حاضراً في قلب الحدث عبر تفسيرات هنا وتنبّوءات هناك.وهكذا، ومع التطوّر السريع والتغيّر غير المتوقّع في الكثير من عناصر حياتنا اليوميّة من جرّاء دخول التكنولوجيا، بكلّ إستطالتها، جميعَ مفاصل المجتمع الإنسانيّ، عاد سفر الرؤيا مجدّداً ليكون مصدر إلهام للكثير من التفسيرات التي أدارت ظهرها لخصائصه وللخلفيّة التاريخيّة التي على أساسها كُتب السفر، فغدت الحاجة ماسّة إلى التذكير بالسمات الأساسيّة في السفر ومواضيعه العامّة بعد أن طغى عليها موضوع "ضدِّ المسيح" (أو المسيح الدجّال) و"علامات الأزمنة".ليس القصد من هذا الكتاب الإجابة عن كلّ هذه المسائل لأنّها، وببساطة أوسع منه ومن عدد صفحاته، كما وأنّه ليس بكتاب تفسير لسفر الرؤيا، يأتي هذا المصنَّف، أوّلاً، ليكمّل ما في مكتبتنا العربيّة من شروحات وتفاسير تتعلّق بسفر الرؤيا، وليذكّر، ثانياً، ببعض خواصّ السفر الجوهريّة التي لا يستقيم تفسير من دون الرجوع إليها.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل