الاختيار العلماني وأسطورة النموذج

يعيش الكاتب إضطراباً نفسياً منشأه الطروحات المفروضة لإنتماء الإنسان أينما كان، فأما أن يكون علمانياً أو غريباً في إنتمائه وبوصفه مسلماً معاصراً لديه طموح بإيجاد طرح مغاير وهو بأن التاريخ والحضارة والإنطولوجيا ومصادفات الحياة رسمت له سقف الإنتماء إلى الحضارة العربية الإسلامية، وهو كسائر الملايين من المسلمين يحلم بنهضة ترفع "الغمة عن الأمة"، هذا الإنتماء لأمة تستوطن التضاريس الأشد وعرة والجغرافيا الأشد خطورة: الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز والقرن الأفريقي فضلاً عن ضواحي المدن الصناعية في القرب... وهذا التموقع المنذر باللاتوقع وكما يقول لا يحزنه ولا يسعده فهو يشعره بـ "قلق الحضارة" وبـ "قلق التاريخ" وبقدر يفوق قدرته على التحمل. ورافعاً سقف الإعتراف يحاول المجاراة بإنتمائه إلى المقاومة، والمقاومة المقصودة هي تلك التي تتيح له كسب الإنتصار على الإحتلال والإستيطان التوراتي والتغلغل الإنجيلي داخل المؤسسات الدولية والرد على الهجوم البابوي غير المحسوب أحياناً. وهذا برأيه يستدعي الإنتصار لقيم العقلانية والعلمانية سواء داخل الدول أم على مستوى العلاقات بين الدول. مضيفاً بأنه وفي الوقت الراهن فإن المسلم بأن يكون مسلماً معناه أن يكون عقلانياً وعلمانياً، وبنفض عنه غبار الأزمنة الوسطى، منتفضاً في وجه كل الشبكات الدولية والمحلية الداعية أو المباركة أو المستقلة للتطرف الديني والتعصب العرقي والطائفي، مما يتيح له تجاوز أمراض العبد المهزوم وأوهام السيد المنتشي بكأس النصر إلى حدّ الثمالة. وللإقتراب من فكر الكاتب وطروحاته فإنه يقول بأن من يريد لهذه الأمة عزة، ولهذه الحضارة نهضة عليه أن يدرك أن لاسبيل إلى ذلك من دون تبني قيم العقلانية السياسية ومبدئ فلسفة التنوير. ضمن هذه الرواية يحاول الكاتب توضيح تلك العلمانية التي تختلف بقليل أو كثير عن العلمانية المطروحة على الساحة العالمية. وهو يحاول جاهداً بث فكرة من خلال مقالات وحوارات صدرت في أهم الصحف والمواقع والمجلات العربية: موقع الأوان (رابطة العقلانيين العرب)، صحيفة السفير (بيروت)، جريدة الأخبار (بيروت)، مجلة النداء (الحزب الشيوعي اللبناني)، صحيفة الوقت (البحرين)، صحيفة المنارة (بغداد)، يومية الحياة (لندن)، يومية القدس العربي (لندن)، أسبوعية العرب الأسبوعي (لندن)... وهذه بمجملها إنما مثلت نصوصاً لمطارحات تم جمعها في هذا الكتاب بعد إعادة صياغتها وكنا يذكر الكاتب على "هدي الصدى الراجع من كل مدى"، ما أتاح له فرصة الإصغاء لتردد صوته الخافت عبر شعاب لم يكن يدركها. والكاتب إلى هذا مفكر من المغرب وكاتب رأي في العديد من الصحف والمجلات العربية.من ذا منحني الحقّ في أن أسئلّ قلمي لأنتقد "النفاق العلماني" لدى أمم أكثر تحضّراً من أمّتي وللتشهير بها وهي التي تمثّل "نموذجاً" لمستقبل لم نبلغه بعد، وقد لا تبلغه أبداً. رداً على ملاحظات قاسية كهذه قد توجّه إليّ، أقول إن كل نموذج يظل حالة خاصة غير قابلة للتكرار، وبُناة الحضارات وصنّاع التاريخ إنما يعملون ويتصرفون من غير نماذج جاهزة. من هنا، على المهووسين بالنموذج الغربي للعلمانية أن يعوا جيداً أن هذا النموذج المفترض أصبح يهدّد مستقبل الحداثة والديمقراطية وقيم التنوير ومبادئ الثورة الفرنسية بإنزياحه بعيداً عن وعود عصر الأنوار متجهاً نحو أهداف يمينية، دينية، محافظة وأحياناً إمبريالية، لا بل بات يهدد أمن ورخاء المواطنين حتى داخل المجتمعات الغربية، إنْ لم نقل بقاء الجنسي البشري نفسه. إن هذا النموذج الغربي القائم على عقيدة القوة والتفوّق، ويعيش على نهب ثروات الشعوب الفقيرة وعلى تركة التقسيم الإستعماري للعالم، وعلى رعاية النزعات العشائرية والطائفية والعسكرتارية في أقاليم الشرق والجنوب، ويوظِّف لهذه الغاية عشرات الشبكات الدينية والتبشيرية؛ إن هذا النموذج المثقل بأوهام إحتكار مفاتيح القوة والثروة والمعلم، بات يتأكل حتى القيم التي طالما شكلت "سحر الغرب" أعني: قيم العقل والمساواة والحرية، وطفق يؤذي السلام العالمي وحماية البيئة والتعايش بين الثقافات والحضارات... فلمن يؤدّدون على مسامعك بأن "الإسلام هو الحلّ"، وكذلك لمن يقولون لك إن "الغرب هو الحل"، لا تصّدقهم جميعاً، فالوعي العلماني الأصيل لا يبحث عن نموذج بديل. فالنموذج بعد كل شيء لا ينتج حضارة ولا المقلّدون يصنعون التاريخ.هذا الكتاب نصوص وحوارات صدرت في أهم الصّحف والمواقع والمجلاّت العربية: مواقع الأوان (رابطة العقلانيين العرب)، صحيفة السّفير (بيروت)، جريدة الأخبار (بيروت)، مجلّة النداء (الحزب الشيوعي اللبناني)، صحيفة الوقت (البحرين) صحيفة المنارة (بغداد)، يومية الحياة (لندن)، يومية القدس العربي (لندن)، أسبوعيّة العرب الأسبوعي (لندن)... وتلك النصوص مطارحات جُمعت وأعيدت صياغتها على هدي الصدى الرّاجع من كل مدى، ما أتاح لي فرصة أن أصغي لتردّد صوتي الخافت عبر شعاب لم أكن أدركها، ومن همس الرّجع كنت أفكر في كل مرّة من جديد.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل