ظل الغيمة

"السيارة متجهة نحو طبريا.. الطريق تعانق التاريخ. القرية الجارة، المشهد، هل هي حقاً مشهد يونس كما قال بعضهم، أم مشهد نبي أو ولي سواه. هناك مدينة في إيران اسمها المشهد... والمشهد أيضاً: اسم أطلق على قريتين في سوريا. كان يستثيره دائماً أن يطل على ماضي المكان. هذه الأرض حرثها وزرعها أجدادنا. أشجار الزيتون هذه غرست قبل مئات السنين. تحتها جلس الفراطون، وارتفعت الأصوات في أيام الحصاد تغني وتنادي، ويردد صداها السفح والوادي. وتلوح قباب في كفركنا، قانا الجليل. نعم قبل ألفي سنة كانت هنا أعراس. وكان المسيح، كانت عجيبة تحويل الماء إلى خمر. عندما تنظر عبر البعد الزمني للمكان، تنشأ بينك وبينه علاقة حميمة. لكل شيء حكايته، وهذه الحكاية هي ما سماها البعض "البعد الخامس" للأشياء... هذه العبّارة عند منعطف الشارع بين كفركنا وطرعان ليست مجرد فتحة تحت الشارع يجري فيها ماء الأمطار والسيول. هنا دارت معركة بين الثوار، قبل بضع سنوات، وبين قافلة من سيارات الجيش البريطاني. الكمين ربط هناك، وهنا استشهد البعض.. عندما أطلّ "قرن حطين" على الطريق، كان يحيى يسمع صدى الجيوش الزاحفة. صهيل الخيل، وقعقعة السلاح، وصلاح الدين الأيوبي يحكم القبضة على جيوش الفرنجة، ويفطن حتى إلى هبوب الريح واتجاه الدخان في وجوه العدو. هناك خلف السفح قرية حطين، قبل قرون كانت المعركة الحاسمة. على هذا التراب تحت هذه السماء... أطلت السيارة من الشارع المتلف على كتف الجبل كالحبل الملتف على غارب الجمل، هابطة نحو مدينة طبريا وبحيرتها، يا للرعشة! دائماً تسحره بحيرة طبريا"."ظل الغيمة" سيرة ذاتية حازت على جائزة فلسطين للسيرة الذاتية للعام 1999. تخط هذه السيرة بعمق خطوطاً عميقة في الوجدان، تعود بالقارئ إلى فلسطين وبقاعها عبر ماضٍ بعيد متوقفة في ثنايا الذكريات عند محطات تاريخية كان لتلك البقاع مجدها. يسترسل الراوي مسترجعاً سيرة حياته، ومستحضراً مشاهد ومواقف لها وقعها في نفس كل فلسطيني وكل عربي. مثيراً مشاعر الحزن والأسف على بقاع يدنسها العدو الصهيوني، ومستثيراً في الذهن همة للمضي بعيداً في البحث عن أصل الصورة المشوهة التي تركها العدو لأحداث ولأماكن، نسج تاريخها وتفاصيلها حسب رغبته. وباعثاً في النفس مشاعر التآلف مع صاحب السيرة ومع عمله ذا الأسلوب الأدبي المتميز.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل