رسائل الشيخ

ميزة رسائل هذا الكتاب، إنها نموذج من ثقافة شفوية، لم تدون على الورق بدءاً لكنها كانت مروية مجلس، ومقتطف حديث، وهي بذلك تندرج تحت مظلة أدب شفاهي اقترن بما تمخض عن بوادي العرب وصحاريهم من ثقافة احتشدت فيها رموز الصحارى المترامية في أطرافها الشاسعة المتصلة بفضاء السماوات.. فالظمأ والقيظ ومساحات الرمال غير المنتهية والرياح العاصفة وترقب الواحة المنبسطة والشجرة الوارفة والمطر المنثال، هي حالات تجعل الشوق إلى البلل يعصف بالصبر عن الظمأ والرمل والقيظ، فتتكون ثقافة تتجسد في هذا الشيخ، وتقوم على التأمل بتأن وصبر لبلوغ لحظة الحكمة، وهي حكمة عفيف كلمها، صبورة على مرادها.. وتغطي هذه الرسائل موضوعات في الخلق والتربية وإدارة شؤون الرعية والصلة بالأرض والانتساب إلى التراث وتوصيف هوية العربي في معترك اصطراع الثقافات والهويات والأجناس.. وتتخذ من الصحراء معيناً ونبعاً وفضاءً.. وحين تصير الكلمة ابنة صحراء يكون الشوق فيها إلى المطرق والربيع على قدر حرقة الظمأ وإلتماع، القيظ.. رسائل متناثرة ، بعضها إلى أولاده وأخرى إلى مخاطبين قد لا تبلغهم هذه الرسائل، وغيرها مما تناثر في مجالسه فجمعن دون أن يتوقع التقاءها بين ظهرانيي هذا الكتاب.. فهي نموذج لخطاب فكري متأمل.. التقطت شفاها في المسافة ما بين الأفواه والمسامع فلا هي أدركت كل سامعيها.. ولا هي فاضت بكل ما كانت الأفواه قد امتلأت به. إذ ثمة حنين لشيء آخر لم يقل.. وقد لا يقال أبداً.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل