ثايبة ليست بعيدة من هنا

يحتوي هذا الكتاب الذي هو متعة في القراءة، وغذاء للنفس، وتكريم للذكاء والفطنة وشدة الملاحظة، للمؤلف والكاتب العماني، مجموعة قصص قصيرة جداً، مكثفة المضمون، موجزة التعبير، ذات دلالات ذكية لمّاحة، ساخرة أحياناً، ولاذعة الانتقاد أحياناً أخرى، تعتمد أسلوب مفاجأة القارئ وإدهاشه في السياق والسرد والتقديم. مواضيع متعددة، وقصص ملتحمة بواقع أهل الكاتب وناسه، تتأتى من قضاياهم وطريقة حياتهم ومشاكلهم، لتعود إليهم وتحثهم على التفكير والبحث والتغيير بطريقة بعيدة كل البعد عن المباشر وعن الوعظ، بل هي بمثابة مرآة تعكس لهم صورهم، كي يروون أنفسهم ومقاييسهم ومعاييرهم على حقيقتها. كلمة "ثايبة"، وهي العنوان المشترك للكتاب، ولإحدى قصصه، تعني كما يقول الكاتب: "بحسب خرافة قريتنا هو فارس ملثّم من وراء البحر، ولية من أولياء الله الصالحين قَدُمت لإنقاذ أهل القرية في معركتهم مع الأعداء ثم استشهدت. فأصبح قبرها مزاراً تقدم إليه القرابين والنذر.."، والقصة تفيد أن أحدهم كان يراقب أصحاب القرابين، فـ"عاد قبيل المساء، جمع ما على القبر من نقود وترك الباقي وهو يردد: سامحيني..أقسم أن(لا أحد لي غيرك!)... فـ"كم هي كثيرة الطرق المؤدية إلى القرية، ولكن الطريق إلى "ثابية" واحدة!!!". يعود الكاتب من زوايا متعددة، وفي أكثر من قصة إلى ذكر الموت، وعلى سبيل المثال عَلم القصصي "أن الموت ليس الوحيد الذي يأتي عند الفجر"، فـ"زائر الفجر" قد يكون طفلاً رضيعاً لقيطاً وضع على باب الجامع. في قصة "دعاء"، دعا أحدهم ربه أن يبعد عنه كوابيس صورة محبوبته في المنام، "اضطجع ثم نهض فزعاً وتمتم: "ـ يا رب ـ وأبعد عني ما يذّكر بأي عشق كان." في سهمه الذي يخترق موضوع الإقطاعيين، يقول: "المسؤول في الدولة يشعر بأن إحدى إقطاعياته مهملة"، "يصل بين أجزائها لتصبح مملكة"، "..تثمن بالملايين بعد أن كانت قفراً، يبيع، يجتهد لملايين أخر"... قال في نهاية سرده للكابوس الذي رآه: "كنت أصرخ بشدة، قالت: "البارحة كنت تصرخ بخفوت وكما لو أنه "مواء"!! ولم يكن شديداً. قال: بل كان شديداً، ولكنها المسافة بين الواقع والحلم." يجد القارئ في هذه القصص الكثير من المواضيع الهامة، في أسلوب جذاب وممتع وسهل الوصول، تشغل الذهن والقلب والتفكير.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل