أهل الحل والعقد: صفاتهم ووظائفهم

فهذا نظام ينهج نهج الفكر الديمقراطي الغربي - ولو شكلاً- وذاك ينهج نهج الفكر القومي البعثي، وثالث يخترع نظامَا ملفقًا يجمع بين الديمقراطية والاشتراكية والقومية والإسلام، رابع يدَّعي وصلاً بالإسلام، وبأنه يؤمن به ويحترمه، فيأخذ منه ما طاب له وراق، وخامس ينهج منهجًا لا دينيًا (علمانيًا) قد ينكر الدين أو يتنكر له، وقد يؤمن به كإيمان النصارى بدينهم في هذا العصر، فلا يأخذ منهجًا لا دينيًا العبادي الصرف، وهلم جرا... وقل مثل ذلك في الاتجاهات الفكرية في هذا المجال. وكان من نتائج هذه الاختلافات النظرية والعملية أن انقسمت الأمة المسلمة أقسامًا مبتورة، وافترقت فرقًا شتى: ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 153] فتباعدت بهم الأفكار، ونأت بهم الديار. ومن ثم أصبح كل فريق أو نظام يكيل للآخر الاتهامات ويوجه إليه المطاعن، ويسفه منهجه وسلوكه؛ لأن تلك النظم والمناهج أصبحت هي معيار الخير والشر، ومصدر الحب والبغض، والولاء والبراء. فانتشرت الفوضى الفكرية والسياسية، وساد الهرج والمرج، وحلت الفتن في كثير من البلدان، وقل أن تجد بلدًا مسلمًا مستقرًا ثابت الأركان واضح المعالم[1]. أجل... وإن العاقل اللبيب ليقف حيران إزاء هذه المواقف المتناقضة والمذاهب المضطربة. ثم يتساءل أين أهل الرأي والتدبير وذوو الأحلام والنهى؟ وأين أهل العلم والفضل؟ بل أين أهل الحل والعقد؟ أليس لهم وجود في هذا العالم المضطرب والمضطرم؟ وان كانوا موجودين فأين هم؟ وماذا عملوا؟ والحقيقة التي لا مراء فيها أن هؤلاء موجودون وإن كانوا يتفاوتون عددًا ونوعًا في كل مصر وعصر، ولهم كذلك أثرهم - قل أو كثر- في بيئاتهم، ولكن أمامهم من العقبات والعراقيل ما لا يحد، والكثير منهم قد حيل بينه وبين مآربه وطموحاته. وإن مما تتطلبه مسؤولية هؤلاء إزاء هذه التحديات أن يقوموا بمهمتهم على أرض صلبة، ووفق منهج قويم، سداه التضحية والتعاون والتواصي بالحق، ولحمته التآخي والتآلف. وعند ذلك يكون بالإمكان أداء المهمة على الوجه الصحيح. أجل إن مثل هؤلاء - من العلماء والفضلاء - هم مصادر الأمة ومواردها، ومناط فخرها وعزها، وإليهم المرجعية عند الحاجات وحلول الأزمات، وعليهم الاعتماد - بعد الله - في إيجاد الحلول والخروج من المآزق، وإليهم تشرئب الأعناق وتتعلق الآمال كما قيل:ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء [2] والتاريخ الإسلامي يؤكد هذه الحقائق، فالعلماء كانوا مرجع الناس ومنعهم في كل الأمور والشؤون، وفي شتى الظروف والملابسات، على مستوى الأفراد والجماعات. وقد "حفلت الدولة الإسلامية قي تاريخها الطويل بمآثر جليلة سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة والفذة مع الحكام (الظلمة)، تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجرأة، والإخلاص لله ولدينه الحنيف، فكانوا نجومًا وضاءة يهتدي بها الحاكم والمحكومون في ظلمات الحياة.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل