أخبار بغداد وما جاورها من البلاد

نبذة النيل والفرات:تعد سيرة العلامة محمود شكري الآلوسي، أكثر شهرة من أن تعرف، فقد كتب عن كثيرون ممن عاصروه، كما ترجم له ناشرو كتبه، والباحثون في تاريخ الثقافة والأدب، وحتى السياسة، في العراق، وذلك لأن هذه السيرة لم تكن سيرة عادية بأية حال، بل أنها كانت تمثل صورة مفعمة بالحيوية لمرحلة مهمة نت تاريخ الثقافة والعلم في العراق، فهو أولاً سليل أسرة حسينية المحتد، نزحت إلى بغداد منذ أجيال قبله إلى بغداد لطلب العلم، فاقترن وجودها بالعلم والدرس والتدريس والتأليف، حتى بات اسمها يمثل رمزاً قوياً من رموز الثقافة في العراق. ويم ولد في 19 رمضان سنة 1272هـ/12 حزيران 1857م، كفلته بيئة صالحة، ذات تقاليد روحية وعلمية راسخة، فأبوه عبد الله بهاء الدين كان عالماً، لقنه مبادئ العلوم، وعمه نعمان خير الدين كان وريث علم الأسرة، فقهاً وأدباً وفضلاً، فواصل هو على يديه ما بدأ به أبوه، ثم انطلق يأخذ العلم بنفسه على كبار علماء مدينته حتى استوى عالماً فقيهاً أديباً شاعراً مؤرخاً لغوياً يشار إليه بالبنان، والواقع أن السيد الآلوسي كانت تعينه على ذلك كله نباهة ظاهرة، وذكاء حاد، وقدرة فائقة على الحفظ، ودقة في الملاحظة، والمقارنة، ورصد لما كان يجري من حوله من متغيرات في المجالات كافة. فلم يكن غريباً أن يطير صيته، وهو لما يزل شاباً بعد، وتعهد إليه مهمة التدريس في ثلاث مدارس، هي من أهم مدارس بغداد في ذلك العصر. وقد قصده طلبة العلم من كل صوب، ومنهم من البلاد القاصية، كالهند مثلاً، يأخذوه العلم على يديه، ويقبسون من فضله، والأهم من ذلك، يتعلمون منهم منهجه العلمي في وزن المسائل، وفي تقييم الأحكام، وفي النظرة الجديدة لواقعهم. ومع أنه كان عازفاً بحكم تقاليد بيئته وزهده، عن السياسة، إلا أنه كان ميالاً في أقواله وتآليفه إلى بث روح الاعتزاز بالأمة العرية، كما أنه كان نزاعاً إلى بث روح الاعتداد والثقة بالذات، وحب الوطن والاهتمام بمستقبله لدى طلبته.انصرف الآلوسي للعلم بكليته، حتى منح رتبة (رئيس المدرسين) بجدارة، ونال احترام طلبته بما كان يمنحهم من علمه ووقته وجهده، وما كان قد جبل عليه من حب العمل والإخلاص فيه، فضلاً عن خلق عال، ونظرة متفهمة متفائلة. ويظهر أنه أوتي، فوق هذا، قدرة على استكشاف مواهب طلبته، والتمييز بين مكناتهم وملكاتهم، فكان يشجع هذا، ويوجه ذاك، فعل أب حان، تهمه مصلحة أبنائه، بل تهمة مصلحة الوطن الذي يرجو من هؤلاء الأبناء الكثير، فكان من بين طلبته السيد عبد الرحمن الكيلاني، الذي صار رئيساً للوزراء، والرصافي الذي عد أشعر شعراء العراق وأكثرهم نبوغاً في عصره، وعباس العزاوي، المؤرخ الرائد في كتابة تاريخ العراق في القرون المتأخرة بما كتبه من مؤلفات مهمة، وعبد الحميد عبادة الذي ألف كتاباً كبيراً في معالم بغداد، فضلاً عن كتب أخرى، والشيخ محمد بهجة الأثري العلامة الشهير، عضو المجامع العلمية العربية، وعبد العزيز الرشيد مؤرخ الكويت الأول، وآخرون تميزا جميعاً بالردة في مجالاتهم الثقافية.أما في التاريخ، فإنه كان، فيما يظهر، من أجب العلوم إلى نفسه، لأنه وجد فيه الوسيلة لتوجيه الأفكار، وبث المحبة للوطن، والاعتزام بالأمة العربية الإسلامية، التي طالما ملأ قلبه حبها، وشعر بالأسى تجاه ما آل إليه أمرها بعد قرون من التخلف والتأخر.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل