القصص القصيرة الكاملة

إنه يدور في جمجمته الفارغة أصم وواخزاً . خلية نحل انتصبت بين أربعة جدران جمجمته . وكان يتعاظم أكثر فأكثر في حركة حلزونية متتالية ويضربه من الداخل جاعلاً فقرات ظهره تهتز اهتزازاً محموماً وغير متوازن مع بنيته المادية كرجل متين. ثمة شيء كان يعمل (( في الممرات الأخري)) بصورة طبيعية وهو يدق الأن الرأس من الداخل بضرب مطرقة قاسية وفظة توجهها عظام يد معروقة عظيمة تجعله يتذكر كل الأحاسيس المريرة في الحياة. وجد الدافع الحيواني لإطباق قبضتيه والضغط علي الصدغين حيث نفرت الشرايين الزرقاء البنفسجية بالضغط الثابت لألمه اليائس. كان يود لو يحدد براحتي يديه الحساستين موقع ذلك الضجيج الذي يثقب له االلحظة بريشة حفر ذات رأس حاد من الألماس. حركة هر أليف قلصت عضلاته عندما تصوره مطارداً في جنبات رأسه الساخن الممزق بالحمي وكان علي وشك اللحاق به لا فللضجيج جلد زلق يكاد يكون لمسه متعذراً ولكنه كان مستعداً للحاق به بإستراتيجيه التي تعلمها جيداً والضغط عليه طويلاً وبصورة حاسمة بكل ما في يأسه من قوة. لن يسمح له بالدخول مرة أخري من أذنه والخروج من فمه من كل مسام من مساماته أو من عينيه اللتين تزيغان لدي مروره ويصيبهما العمي وهما تريان هروب الضجيج من أعماق ظلمتها المستهترة . لن يسمح له بمواصلة الضغط علي زجاجهما المطحون علي نجومهما الثلجية وعلي الجدران الداخلية للجمجمة. هكذا كان ذلك الضجيج بلا نهاية مثل ضرب رأس طفل بحائط من الإسمنت. مثل كل الضربات القوية الموجهة إلي أشياء الطبيعة الراسخة لكنه لن يسبب له مزيداً من العذاب إذا ما استطاع محاصرته عزله. وقطع تلك الهيئة المتبدلة عن ظله بالذات. والإمساك به. الضغط عليه بصورة حاسمة الأن والإلقاء به بكل قواه علي الأرض المرصوفة ودوسه بقدميه بشراسة إلي أن يصبح غير قادر علي الحركة حقا إلي أن يتمكن من القول وهو يلهث إنه أمات الضجيج الذي يعذبه الذي يصيبه بالجنون وها هو ذا الأن ملقي علي الأرض كأي شيء تافه متحولاً إلي ميت بالكامل. ولكن كان من المستحيل عليه أن يضغط علي صدغيه0 فقد تقلص ذراعاه وصارا الأن ذراعي قزم. ذراعان صغيران سمينان شحميان. حاول ان يهز راسه وتمكن من هزه عندئذ تبدي الضجيج بقوة أكبر داخل الجمجمة التي تصلبت وتضخمت وشهر بها مشدودة بقوة أكبر بفعل قوة الجاذبية كان ثقيلاً وقاسياً ذلك الضجيج ثقيلاً وقاسياً إلي حد سيشعر معه لو أنه استطاع الإمساك به وتحطيمه بانه يمزق اوراق زهرة من رصاص. لقد شعر بهذا الضجيج في المرات السابقة بالإلحاح نفسه. شعر به مثلاً يوم مات أول مرة. عندما انتبه – وهو يري جثة- أنها جثته هو بالذات نظر إليها وتلمسها. أحس أنه غير محسوس وأنه لا يشغل مكاناً وأنه لا وجود له. لقد كان جثة بالفعل وكان يشعر بمرور الموت علي جسده الشاب العليل. وكان الجو المحيط قد تصلب في أنحاء البيت كله كما لو أنه امتلأ بالإسمنت ووسط تلك الكتلة- التي ترك فيها الأشياء مثلما كانت عندما كان الجو هواءً- كان هو مسبحي بعناية في تابوت من إسمنت صلب إنما شفاف. في تلك المرة كان (هذا الضجيج) أيضاً في رأسه. كم كان باطن قدميه بعيداً وبارداً هناك في الطرف الأخر من التابوت حيث وضعت وسادة لأن الصندوق كبير علي مقاسه وكان لا بد من ضبطه وتكييف الجسد الميت مع ملبسه الجديد والأخير. لقد غطوه بالأبيض وشدو منديلاً حول فكه السفلي. أحس بأنه جميل في كفنه جميل إلي حد الموت.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل