العلاقات الدولية في الفكر السياسي الغربي: دراسة تحليلية

تعد هذه الدراسة بمثابة بيان لعلاقة التواصل بين العلاقات الدولية المعاصرة ونظريات الفكر السياسي الغربي حيث تبرز هذه الدراسة تطوُّرِ الفكر السياسيِّ الغربيِّ؛ لأنَّ هذا الفكرَ يمثِّلُ وحدةً متميِّزةً في أدبيَّات الفكر السياسيِّ، عن طريق إثباتَ أنَّ هذا الفكرَ قد قدَّم تصوُّراتٍ معيَّنةً عن الواقعِ الدَّولي، وأنَّ نظريات العَلاقات الدَّولية المعاصرة تنطلقُ من تلك التَّصوُّراتِ، ومن ثم فهي تتضمَّنُ تحيُّزًا قِيمِيًّا نحو قِيَمٍ سياسيةٍ غربية معيَّنة. وفي هذا الإطارِ يهدفُ هذا البحثُ إلى إثباتِ فرضيَّتين رئيسيَّتين، الأُولى: هي أن المفكِّرين السياسيين قد طوَّروا مفاهيمَ وتصوُّراتٍ عن العَلاقات الدَّولية، تنطلق من القِيَمِ الفِكرية لهؤلاء المفكِّرينَ، والثانية: هي أنَّ نظرياتِ العَلاقات الدولية المعاصرة إنما تنطلقُ من مفاهيمَ وافتراضاتٍ تجدُ جذورَها في الفكرِ السياسيِّ المعروف. ونجد أن القِيَمُ الغربيةُ قد تركت أثرًا بيِّنًا على الواقع الدوليِّ، حيث أفرزت القِيَمُ الغربيةُ تصوُّرًا محدَّدًا لعواملِ الاستقرارِ النَّسقيِّ، وقد بيَّن الكاتب في البحثِ أهمَّ معالِمِ رؤيةِ الفكرِ السياسيِّ الغربيِّ للعلاقاتِ الدولية، والتي تمثَّلت في:1- فكرة القانون الطبيعيِّ التي قدَّمت منظورًا قِيَميًّا للواقعِ الدَّوليِّ، واستُخْدِمت كأداةٍ لمعالجة الفوضى الدوليَّةِ، والمحافظةِ على الاستقرارِ الدوليِّ؛ عن طريقِ إيجادِ قواعدَ دوليَّةٍ عامَّةٍ تنطلقُ من فكرةِ الانسجامِ الطبيعيِّ، والوحدة العالَميَّةِ النَّسقيةِ لدعمِ سيطرةِ وسيادة المفاهيمِ الغربيَّةِ عن الواقعِ الدَّوليِّ. 2- فكرة بقاءِ الدولةِ وسيادتِها، التي أكَّدت ضرورةَ وجودِ الدَّولةِ كقاعدةٍ جوهريةٍ في النَّسقِ الدوليِّ، والعملِ على حمايتِها، بصرفِ النَّظرِ عن دورِها الأخلاقيِّ وقِيَمِها، ومن منطلقِ سيادةِ الدَّولةِ تمَّ التَّأكيدِ في الفكر الغربيِّ على فصل النَّشاطِ السياسيِّ عن الدِّينِ، وأصبح البقاءُ الوطنيُّ والمصلحةُ الوطنيةُ المعاييرَ الأساسيَّةَ، كالتي تحكم صانعَ القرارِ السِّياسيِّ عند بناءِ السِّياسةِ الخارجيَّةِ للدَّولةِ. 3- فكرة وجودِ نسقٍ دوليٍّ يربط بين الدُّولِ القويَّةِ والمسيطرةِ؛ وذلك بالتَّأكيدِ على فكرةِ "توازن القُوَى"، واستمرارِ "الوضع الراهن"؛ بإيجادِ الوسائلِ الكفيلةِ باستقرارِ النَّسقِ لخدمةِ أغراضِ الدَّولةِ المسيطرةِ. يتَّضحُ من ذلك أنَّ الفكرَ السياسيَّ الغربيَّ قد طوَّرَ تصوُّرًا للعلاقاتِ الدَّوليةِ، ينطلق من القِيَمِ السياسيةِ الغربيَّةِ بالأساسِ، وأنَّ هذه القِيَمَ ركَّزت على إبرازِ المفاهيمِ الغربيَّةِ عن الواقعِ الدوليِّ، وقد انعكس ذلك على الممارساتِ العمليَّةِ في المجال الدوليِّ؛ حيث سعت الدولُ المسيطِرةُ إلى فرضِ القِيَمِ الغربيَّةِ "دوليًّا" أسوةً بسيادتِها "داخليًّا" في العديدِ من الدُّولِ، وتصوَّرَ المفكِّرونَ والسياسيون أنَّ حلقةَ الوصلِ تكتمل حتمًا بإيجادِ الأطرِ العمليَّةِ الكفيلةِ بصَهْرِ الدُّولِ الصُّغرى في بُوتقةِ الدُّولِ الكبرى والمسيطِرةِ؛ وذلك بهدف بناءِ نسقٍ دوليٍّ "أحاديِّ الرؤية القِيَمِية"، يصبحُ التعاملُ الدوليُّ فيه انعكاسًا لرؤيا غربيَّةٍ تستترُ خلف أساليبَ قد تُظْهِرُ اختلافًا شكليًّا، ولكنَّها في الواقع تعمِّقُ التَّبعيَّةَ السياسيةَ للدُّولِ الغربيَّةِ.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل