سلسلة محاضرات الإمارات #159: اللغة العربية وسؤال المصير

يطرح الوضع الذي تعيشه اللغة العربية هذه الأيام سؤالاً مصيرياً جديداً، قد تَصَدَّر الأسئلة جميعاً، هو: مصير العربية وهويتها الثقافية في ظل العولمة. وأصبح هذا السؤال المصيري محور الندوات والمؤتمرات اللغوية العربية مع مطلع القرن الحادي والعشرين، كما أصبح عنواناً لبعض المؤلفات والمقالات، التي تتساءل: هل ستنقرض اللغة العربية أمام زحف الإنجليزية التي أصبحت اللغة الرسمية في "القرية الكونية"؟وأمام هذا السؤال تتباين نظرة الدارسين وعلماء اللسانيات إلى موقفين متقابلين؛ يعتصم أصحاب الموقف الأول بأن اللغة العربية ستصمد، وبخاصة لارتباطها بالقرآن الكريم. كما أن لها فرادة بين اللغات كافة؛ بما هي وعاء تراث ممتد عبر الزمان من دون انقطاع على مدى سبعة عشر قرناً، وأنها لسان التواصل بالضرورة وبالفعل في فضاء المكان العربي من الخليج إلى المحيط، ورأس مقومات الأمة، وعنوان الهوية وتحقيق الذات في مواجهة الآخر. ويستشهد هذا الفريق بدراسات لبعض علماء اللسانيات الغربيين الذين يصنفون العربية ضمن لغات قليلة يُتوقع لها أن تصمد أمام الهيمنة العالمية للّغة الإنجليزية.أما الفريق الآخر، فيذهب مذهباً مغايراً تماماً؛ إذ يرى أن اللغة العربية تتآكل، وأنها ستنحسر بعد بضعة عقود إلى دائرة التعبد فقط. فتعليم العربية لم ينجح في أن يكون منافساً لتعليم اللغات الأخرى؛ حيث لا يزال متروكاً لمسار التراكم العفوي، حتى كأن معلّم العربية معلم غير مختص، بل ضعيف في اللغة التي يعلِّمها. وانتقلت عدوى الضعف إلى التلاميذ، ودخلت العربية في مدار من الضعف كأنه الحلقة المفرغة، وهو ما أدى إلى تراجع الفصحى الآن في ظل تنامي النزعات الجهوية، وتغليب اللهجات المحكية في مضمون الخطاب الفضائي، وسيطرة الإنجليزية التي تصنف كـ"لغة قاتلة" للغات الأخرى، بحيث أصبحت ظاهرة "موت اللغات" عنواناً يومياً كسائر عناوين العولمة، ورموزها، وأعلامها.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل