السلسلة الثقافية: حديث الصيام في القرآن الكريم

الحمدلله الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ومن دعا بدعوته وعمل بشريعته وسنته إلى يوم الدين وبعد.. فإن القرآن الكريم كتاب أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير، وهذا القرآن يعد معجزة الدهر للدعوة الخاتمة والتى بُعث بها محمد للناس كافة، لأن هذه المعجزة تختلف عن سائر المعجزات التى اختص الله بها كل من أُرسل قبل محمد ، فمعجزات هؤلاء الرسل كانت مادية، أى أنها كانت تحس وترى بالعين كعصا موسى التى تنقلب حية، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى، وكانت هذه المعجزات مع ذلك شخصية بمعنى أنها كانت فى وجودها والتحدى بها مقصودة على الذين شاهدوها فلما مات الرسول أو النبى انتهت هذه المعجزة ولم يعد لحجيتها أثر لدى من لم يشاهدها. أما معجزة القرآن فهى تختلف باعتبار أنها معجزة عقلية تخاطب الفكر وتحض عليه، فآيات القرآن تأمر بالنظر فى كل مظاهر الكون حتى تدرك أن هذا الكون له إله واحد هو المعبود ولا معبود سواه وهذه المعجزة، فضلاً عن أن التفكير فيها فريضة إسلامية، ليست شخصية فوجودها وبقاؤها والتحدى بها ليس مرتبطاً بحياة محمد ، ومن ثم كانت بحق معجزة الدهر وآية على عالمية رسالة الإسلام الخاتمة فكل من يقرأ القرآن أو يسمع تلاوته وتفسيره ولم يؤمن به يكون مسئولاً عن هذا، ذلك أن الحق سبحانه منح الإنسان الحرية فى اختيار العقيدة التى يؤمن بها وفى القرآن الكريم جزء من آية يشير إلى ذلك وهو قول الله تعالى: «لا إكراه فى الدين قد تبيّن الرشد من الغى» فهذا النص القرآنى ليس له نظير فى أى كتاب سماوى قبل القرآن وهذا النص يؤكد أن الدعوة إلى الإسلام تبليغ لا إلزام فمن شاء بعد التبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة أن يؤمن بالله ومن شاء أن يكفر وحسابه على الله. وهذا القرآن مع ذلك بيّن أن الإسلام دين الفطرة، والفطرة لا تختلف باختلاف العصور والأمم ولهذا كان صالحاً للتطبيق الدائم ورسالة للناس جميعاً، ويضاف إلى ذلك أن رسالة الإسلام تقوم على الوسطية والاعتدال ولا تعرف التشدد والإفراط وإنما تعرف اليسر ومراعاة الطاقة البشرية فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وامتاز القرآن بالإضافة إلى هذا فى تقريره للأحكام إلى أنه قام فى هذا التشريع على التوزيع دون التجميع بمعنى أن كل الأحكام وردت مفرقة فى السور القرآنية ولم تفرد سورة بأحكام خاصة دون غيرها وفى هذا إشارة إلى أن الالتزام بكل أحكام القرآن تأخذ درجة واحدة من حيث المحافظة عليها والعمل بها. هذا طرف من بيان أهمية القرآن ومعجزته الخالدة وهى مقدمة ضرورية للحديث عن الصيام كما جاء فى هذا الكتاب العزيز، فقد تحدث القرآن عن الصيام من حيث الفرضية وبيَّن أنه شرع من قبل فى الأمم التى سبقت أمة محمد ، وإن لم يكن لدينا ما يفيد أن صيام السابقين كان مثل صيامنا امتناعاً عن الطعام والشراب لمدة شهر كامل، والصيام يعد سراً بين العبد وخالقه لأنه يتمثل فى أمور سلبية لا يطلع عليها إلا الحق سبحانه، فلا يمكن لإنسان أن يفرق بين صائم ومفطر إلا الله سبحانه وتعالى. وفريضة الصيام تخضع لمبدأ عام فى التشريع الإسلامى وهو التيسير ورفع الحرج، فمن كان مريضاً أو على سفر ولا يقدر على الصيام فعليه عدة من أيام أُخر، والقرآن يقول فى ذلك: «يُريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر»، والصيام مع هذا من وسائل الكفارات لبعض الذنوب والمخالفات، فالقتل الخطأ والحنث فى اليمين والظهار وسوى ذلك، يقوم الصيام فيها بستر الذنب والمعصية، كما أن الصيام بوجه عام من أهم خصال الشخصية الإسلامية التى تتمتع دائماً بشعور أن الله رقيب عليها وأنه لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء. وهذا الشعور إذا استقر فى وجدان المسلم عصمه من الذنوب واقتراف ما حرّم الله، ولهذه المنزلة للصيام كان التطوع به أمراً محموداً وكان الرسول المثل الأعلى فى صيام النافلة ولنا فيه الأسوة الحسنة. ولأن الرسول يقول: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتى».. كان للسنّة مع النص القرآنى دورها فى الحديث عن الصيام وأخلاق الصائمين والرسول فى هذا كله يصدر عن وحى إلهى فالالتزام بالكتاب والسنّة حقيقة إسلامية لا يجوز التفريق فيها بين القرآن وما روى عن الرسول ، على أن الصيام فى الإسلام بوجه عام يمثل وحدة بين الأمة كلها فهم جميعاً يمسكون عن المفطرات فى شهر واحد وإن اختلفت البداية والنهاية فى بعض الأقطار وفى هذا يسهم الصيام فى تأكيد الرابطة الإسلامية الجامعة وهو مع فريضة الحج يؤكدان أن الإسلام دين الوحدة بمفهومها الشامل، وحدة المنهج والتصور والتكامل والتعاون. وأخيراً يقتضى الحديث عن الصيام بإجمال أنه ليس امتناعاً عن الأكل والشرب لكنه فى جوهره امتناع عن كل ما لا يليق بأخلاق المسلم من غضب وغش وكذب ونفاق ورياء لأن رقابة الله على الصائم تجعله لا يقدم على منكر مهما كان هيناً أو غير هين. والحديث عن الصيام فى رمضان يتطلب ما يلى: 1- إفراد ملحق أول عن صدقة الفطر وصلاة العيد. 2- إفراد ملحق ثانٍ عن بعض الفتاوى الخاصة بالصيام. والله أسأل أن يكون شهر رمضان للأمة كلها.. كما جاء فى الحديث الشريف أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. وأن يكون فرصة ذهبية لكل مسلم يزداد فيها قرباً من الله وطاعته لعله يحظى بجنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل