البديع في القرآن؛ أنواعه ووظائفه

تكمن أهمية هذا البحث، في أنه بحث استقصائي للأجناس البديعية الواردة في القرآن، ووظائف هذه الأجناس في السياقات المختلفة. ومع أن كيراً من الأمثلة البديعية للأجناس المختلفة قد رصت في كتب الأولين ممن بحثوا في علم البديع، فإننا لا نجد بين هذه الكتب كتاباً خاصاً في بديع القرآن، اللهم إلا كتاب ابن أبي الإصبع الذي سماه "بديع القرآن" ومع ذلك فالكتاب لا يتحدث عن البديع بصفته فناً بلاغياً بقدر ما يتحدث عن كل شيء بديع (أي جميل)، من لفظ وصورة فنية وعبارة رشيقة، ليدلل بها على أن القرآن معجز، لا ليشرح أجناس البديع القرآني باعتباره فناً بلاغياً ويبين وظائفه، كما نريد ونبتغي في هذا البحث.ونظراً إلى ما يحتويه القرآن من أصناف بديعية متنوعة، فقد كان من المهم التساؤل عن أهمية هذه الأنصاف المختلفة وضرورة إيرادها بشكل مزدحم أحياناً، إذ نلاحظ أن كثير من الآيات لم يأت الصنف البديعي وحيداً فيه، بل جاء ومعه صنف آخر ردف له، وكأنهما يسندان بعضهما، أو كأن لهما وظيفة يؤديانها معاً.ومن جهة أخرى فإن ما يلفت في القرآن نسق جمال صياغي ينتظم بعض السور بشكل كامل أو يحتل مساحة كبرة من سورة معينة، وكأنه يميزها عن غيرها.وقد دفعت هذه الأنساق الجمالية الدكتور "إبراهيم محمود علان" إلى تقصيها وتأطيرها في هذا البحث وذلك لتحديد مهمتها ووظيفتها في السياق العام وهكذا فقد حددت الأنساق البديعية في القرآن مهمة هذا البحث والتي هي أولاً: استكشاف الأنواع البديعية في القرآن بدقة، وفرزها عن غيرها من الأنواع التي أضافها بعض علماء البلاغة السابقين ثانياً: استخلاص وظائف البديع القرآني بأنواعه المختلفة، وتعرف الأبعاد التي أضفتها الأنواع البديعية على النص القرآني، والظلال التي حملها بوجودها.وعلى ضوء هذه الأهداف قسم المؤلف بحثه إلى تمهيد وثلاثة أبواب ففي التمهيد في شقه الأول تحدث عن البديع باعتباره فناً بلاغياً منذ نشأته الأولى في كلام العرب قبل الإسلام وتطور استعماله، ثم تطور مفاهيمه بعد ذلك في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وما تلاهما على يد اشعر علماء البلاغة مستعرضاً أشهر المؤلفين والمؤلفات في هذا الفن.واستعرض في الشق الثاني البديع القرآني عند السابقين الذين تحدثوا في هذا الموضوع سواء من ناحية تفسيرية أو من ناحية جمالية ولهذا فقد رصد آراء السابقين وصنفها في هذا المجال. وفي الباب الأول تحدث عن المحسنات اللفظية في القرآن، وفي الباب الثاني تحدث عن المحسنات المعنوية في القرآن، وفي الباب الثالث تحدث عن وظائف البديع، وفي هذا الباب استخلص الوظائف العامة المشتركة للأجناس البديعية ثم أمثل عليها.لقد كان لهذا الترتيب في الأبواب مبرر مهم وهو أن اللفظ في المنطوق والمكتوب سابق للمعنى وإطار له بينما المعنى سابق عن اللفظ في المكنون، لذلك كان من الضروري البدء المحسنات اللفظية ثم المعنوية في القرآن ثم ننطلق لاستخلاص وظائف ومرامي البديع في سياقه النصي.ولربما لاحظ القارئ اتساع الباب الثاني عن البابين الأول والثالث، وذلك عائد لضرورات البحث العلمي فالمحسنات المعنوية أكثر عدداً وتنوعاً من المحسنات اللفظية، وعدم التوازن ناجم من التميز بين أنواع البديع وطريقته عند البديعيين.أما المنهج الذي اتبعه يتجلى باستعراضه أولاً: ما جاء في حديث البلاغيين والمفسرين عن بديع القرآن ومفهومه وأنواعه وآراء هؤلاء في قيمته وأهميته، متعرضاً لهذه الأحاديث وتلك الآراء بالنقد والتحليل، متبعاً المنهج الاستقصائي التحليلي بحيث أحصي في دراسة مستفيضة الأنواع البديعية في القرآن مصنفاً إياها فيما يدخل في باب المحسنات اللفظية وما يدخل منها في باب المحسنات المعنوية، مقارناً الأمثلة والأنواع بما جاء في كتب البلاغيين السابقة، ووضعا لكل نوع البديعي نفسه، ثم انتقل إلى تقصي الوظائف العامة للبديع في القرآن محدداً هذه الوظائف في أطرها المناسبة، اللغوية والمعنوية والجمالية، مستعيناً بالتفسيرات المختلفة والكتب التي تحدثت عن مجازات القرآن ومعانيه ومشكله وإعرابه.ولقد حرص على أن يوازن آراء البلاغيين في الأنواع المختلفة، ثم استخلص منها ما رآه مناسباً، وأدرجه في سياقه التصنيفي بعد ذلك، وعلى هذا فإنه لم يأخذ آراء القدماء مسلمات لا جدال فيها، فقد كانوا مختلفين، ولذلك اضطر إلى غربلة آرائهم وترجيح بعضها على بعض.

الصفحة الرئيسية

التسجيل


اعادة ارسال التفعيل